نماذج اندماج فصائل المعارضة المسلّحة مع القوّات الرسمية في سورية
نماذج اندماج فصائل المعارضة المسلّحة مع القوّات الرسمية في سورية
25 أيار/مايو 2021
عبد الوهاب عاصي

يُمكن اندماج فصائل المعارضة المسلّحة في قوّات النظام السوري الحاكم فقط كنتيجة للعمليات العسكرية أو المفاوضات السياسية علمًا أن الأخيرة هي الوسيلة الأفضل لإعادة مأسسة القوّات المسلّحة وقطاع الأمن.

في أواخر عام 2013، وقّع النظام السوري الحاكم اتفاق تسوية مع أهالي بلدتي قدسيا والهامة في ضواحي العاصمة، يقضي بتسوية أوضاع من يرغب من مقاتلي فصائل المعارضة المسلّحة وعودة المنشقين عن الجيش إلى الثكنات العسكرية. كانت تلك التسوية أول محاولة من قبل النظام السياسي الحاكم لدمج فصائل المعارضة المسلّحة مع القوّات الحكومية عبر التفاوض. منذ أيلول/سبتمبر 2016، بدأت الحكومة بتطبيق هذا النموذج انطلاقًا من مدينة الرحيبة التابعة لمنطقة القلمون الشرقي، بعد أن أخفقت جميع الجهود السابقة في فرض الاندماج على المدن والبلدات التي وقّعت اتفاقيات التسوية.

لذلك، استخدم النظام السياسي الحاكم بدعم من حلفائه سياسات أخرى لدمج فصائل المعارضة المسلّحة في صفوف قواته، والتي لم تكن أكثر من نتيجة للحسم العسكري. لطالما كان الاندماج الناتج عن التسوية العسكرية الخيار الأكثر ملائمة بالنسبة للحكومة، على حساب أيّة خيارات أخرى ناتجة عن تسوية سياسية.

علماً، أنّ سياسة تهجير مقاتلي المعارضة المسلّحة وذويهم إلى شمال البلاد، لم تكن أكثر من محاولة لترحيل أو تأجيل الحسم العسكري، وما يرتبط به من نماذج لدمج هؤلاء المقاتلين. وعليه، تبدو فرص اندماج فصائل المعارضة المسلّحة مع القوات الرسمية محصورة بين خيارات التسوية العسكرية والتسوية السياسية.

الاندماج عبر التسوية العسكرية

منذ تموز/يوليو 2018، أصبحت مناطق شمال غرب سورية ملاذاً آخيراً لفصائل المعارضة المسلّحة، لكنّ إصرار النظام السوري وحلفائه على استخدام الحسم العسكري كأولوية لدعم مسار الحل في البلاد، يجعل الاندماج عبر التسوية العسكرية خياراً قائماً.

كان النظام السوري الحاكم يشترط على فصائل المعارضة المسلّحة حل نفسها بعد توقيع اتفاق التسوية، وتفعيل قانون خدمة العلم لاستيعاب المقاتلين في صفوفه أو ضمن القوّات الرديفة. ومع ذلك، تبدو فرص حل الفصائل المسلّحة لنفسها ضعيفة مقارنة مع الخيارات المحتملة الأخرى، مثل القبول بالانضمام إلى قوى الأمن الداخلي للبقاء ضمن الوحدات الإدارية وتجنّب الخدمة العسكرية، أو قبول الالتحاق ضمن القوّات الرديفة — وهي ميليشيات محلية متعددة أبرزها قوى الدفاع الوطني — أو الانضمام إلى القوّات النظامية مثل الفيلق الخامس، مع احتمال إنشاء وحدات جديدة.

حتى نموذج الاندماج مع القوّات الرديفة قد يكون خياراً غير مستدام، على اعتبار أنّ هذه القوّات غير تابعة لهيكلية القوّات المسلّحة؛ مما يقتضي ضرورة إعادة دمجها لاحقاً في القوّات النظامية مثلما فعلت روسيا عند إعلان تشكيل الفيلق الرابع والفيلق الخامس.

ومع ذلك، ستكون فصائل المعارضة المسلّحة حذرة وغير واثقة بعمليات الاندماج القسرية تلك، لا سيما بعد الخروقات الكبيرة الناجمة عن العمليات العسكرية في جنوب سورية، مما قد يدفعها للدفع نحو تطبيق نموذج قوّات شباب السنّة في ريف درعا الشرقي التي تحوّلت إلى اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، والذي حافظ على درجة مقبولة من الامتيازات الأمنية والعسكرية والمحليّة لمقاتليه.

في الواقع، قد تواجه عملية الاندماج القسرية تحدّيات عديدة على مستوى الاستقرار والولاء. يبدو نموذج فصائل المعارضة المسلّحة التي اضطرت على توقيع اتفاقيات تسوية مثالاً واضحاً لذلك. في الجنوب السوري باتت قوّات النظام السوري الحاكم عاجزة عن إنهاء الفوضى بعد أن شكّلت الفصائل مربّعات أمنية. أيضاً أصبح هناك تسابق بين إيران وروسيا على تجنيد الفصائل والمقاتلين في صفوف القوّات الرديفة أو النظامية التي تدين بالولاء لهما.

الاندماج عبر التسوية السياسية

في 30 تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، دعت وزارة الدفاع السورية مقاتلي قوّات سورية الديمقراطية للانخراط في صفوف القوّات الحكومية المسلّحة وذلك عبر تسوية أوضاع المتخلّفين عن الخدمة والمطلوبين أمنياً، وهو طلب قوبل بالرفض من قيادة قوّات سورية الديمقراطية التي أكدت على أنّ عملية الاندماج يجب أن تحافظ على خصوصية قوّاتها وهيكليتها وذلك بموجب تسوية سياسية. يُمكن اعتبار هذه الدعوة نموذجاً آخر لاندماج محتمل لفصائل المعارضة المسلّحة مع القوّات الحكومية، والتي تبدو الأكثر ترجيحاً بعد مرور عقد على النزاع، نظراً لصعوبة استخدام الخيار العسكري على نحو شامل أو حتى واسع من قبل القوّات الحكومية.

يُفترض أن يكون نموذج الاندماج عبر التسوية السياسية كنتيجة للمباحثات بين طرفي النزاع والتي يجب أن تضع خطة للإصلاح العسكري والأمني، يتم فيها تحديد مستقبل القوّات المسلّحة الحكومية وغير الحكومية والعلاقة فيما بينها، وجدولاً زمنياً وإجراءات لبناء الثقة.

إنّ انعدام الثقة بين الأطراف المتحاربة يعني احتمال الحفاظ على خطوط التماس خلال المرحلة الانتقالية على أقل تقدير، مما يجعل عملية الاندماج غير مركزية لكن مع وجود اتفاق على توحيد التراتبية العسكرية وعدد الوحدات والمقاتلين وقانون الخدمة وحجم التسليح.

وقد تشمل خطة الإصلاح العسكري والأمني تشكيل حرس وطني من فصائل المعارضة المسلّحة وقوّات النظام السوري الحاكم تكون أحد أهم مسؤولياته الانتشار على خطوط التماس وعلى نقاط التفتيش في المعابر الداخلية وضمن الطرق الرئيسة، على أن يترافق ذلك مع سحب السلاح الثقيل كإجراء لبناء الثقة وتعزيز إجراءات وقف إطلاق النار. كما يُمكن أن تشمل الخطة تقسيم القوّات المسلّحة إلى قطاعات على مستوى مناطق السيطرة الفعلية، بحيث تصبح فصائل المعارضة تابعة لقيادة المنطقة الشمالية التي يتم تمثيلها في مجلس عسكري أو ضمن وزارة الدفاع وهيئة الأركان.

قد تواجه عملية الاندماج غير القسرية لفصائل المعارضة المسلّحة تحدّيات عديدة منها الاختلاف على المهام وتوزيع وأعداد القوّات والتسليح وتحديد الرتب، إضافة إلى قوانين التعيين وانتهاء الخدمة لا سيما للضباط. إنّ عدم وجود ضمانات دولية لتطبيق خطة إصلاح صارمة وواضحة تراعي كل هذه النقاط وغيرها، قد تفضي إلى تحوّل خطوط التماس إلى حدود سيطرة لأقاليم غير مركزية يعمل كل منها على تطوير قدراته العسكرية على حدة، وإن كانت جميعها قد طبّقت نموذجاً مشتركاً لهيكلية القوّات المسلّحة.

 

عبد الوهاب عاصي هو باحث رئيس في مركز جسور للدراسات متخصص في تحليل الديناميات المحلية للنزاع في سورية، وأيضًا كاتب صحفي في العديد من المواقع العربية.



 
آخر التغريدات


تواصل معنا