دور جديد للقوّات المسلّحة التونسية؟
دور جديد للقوّات المسلّحة التونسية؟
06 أيلول/سبتمبر 2021
أحمد عطا الله

قد تشكل الإجراءات المعلنة في 25 تموز/يوليو 2021 نقطة تحول في العلاقات العسكرية المدنية في تونس، مع إمكانية تولي المؤسسة العسكرية دورًا سياسيًا هامًا. 

 

قد تؤولُ التطورات التي تشهدها تونس اليوم إلى تغيرات هامة في طبيعة العلاقة بين الضباط والسلطة المدنية. ففي 25 تموز/يوليو 2021، اتخذ رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد جملة من الإجراءات التي تعمل على تركيز السُلطة في يده، وتضمن له السيطرة على السلطات الثلاث في البلاد. مباشرةً بعد إعلان الرئيس عن هذه الإجراءات، كانت المؤسسة العسكرية من أوائل الجهات التي نفذت الإجراءات الجديدة. 


وسع خطاب الرئيس من دور المؤسسة العسكرية ليشمل مساندة الحكومة في التصدي لجائحة كورونا وتقديم المساعدة لقوّات الأمن الداخلي في تأمين المؤسسات الاستراتيجية. كما وقامت القوّات المسلّحة بتنفيذ قرار الرئيس بتعطيل عمل بعض المؤسسات، وعلى رأسها مجلس نوّاب الشعب. بعد أيام من خطاب الرئيس، تعاونت القوّات المسلّحة مع قوّات الأمن الداخلي في إيقاف ناشط سياسي، بعد نشره تدوينات وفيديوهات يشتمُ فيها رئيس الجمهورية. كما قام القضاء العسكري بالتحفظ على نائب برلماني، لكن سرعان ما أفرج عنه، في حين تم توقيف النائب البرلماني ياسين عياري، تنفيذًا لحكم قديم جراء اتهامه بالمشاركة في عمل يهدف لتحطيم معنويات القوّات المسلّحة والمس من كرامتها.


ساهم أيضًا استمرار تدهور الوضع الوبائي وخصوصا الزيادة المطّردة في الاصابات بفيروس كورونا وبطء عملية التلقيح، في اعتماد الرئيس على المؤسسة العسكرية كفاعل أساسي بالموازاة مع وزارة الصحة في قيادة عملية التلقيح. فبعد الدعوة للتلقيح العام ليومين في آب/أغسطس، تم تلقيح ما يزيد عن مليون مواطن، ما يشكل زيادة ملحوظة في عدد التلقيحات منذ بداية العملية. 


يمكن النظر إلي هذه الأحداث على أنها تطورات تهدف لتدعيم مركز الرئيس، لكنها في نفس الوقت تزيد من حضور ونفوذ المؤسسة العسكرية السياسي. إذ تقوم هذه المؤسسة اليوم بأدوار هي من صميم السلطة التنفيذية، وهو واقع مختلف عن فترة ما بعد الثورة، وتسبب بالعديد من التساؤلات والتكهنات حول الإجراءات الجديدة - والتي وصفها الرئيس في خطابه بأنها وُضعت في ظل "خطر داهم" - خوفًا من أن تصبح هذه الإجراءات قواعد تحكم اللعبة السياسية في البلاد.

تطور العلاقات العسكرية المدنية في تونس

أظهرت المؤسسة العسكرية التونسية احترافية في علاقتها بالسلطات المدنية من خلال حيادها التاريخي والنأي بنفسها عن التدخل في السياسة، وخضوعها لسيطرة السلطة المدنية. كانت هذه الممارسات وليدة محطات تاريخية عدة مرّت بها البلاد. أولها كانت المحاولة الانقلابية ضد الحبيب بورقيبة في عام 1962 وما تبعها من تنبه الرئيس للخطر الذي قد تشكله المؤسسة العسكرية، ما دفعه إلى تهميشها. المحطة الثانية كانت مع تحويله للمؤسسة العسكرية ليد يقمع بها معارضيه، وذلك عندما تم الاستعانة بها لقمع المعارضين ومواجهة الاحتجاجات، مثل احتجاجات الاتحاد العام التونسي للشغل في عام 1978 واحتجاجات الخبز في عام 1984.


اعتمد الرئيس السابق زين العابدين بن علي في البداية على ضباط الجيش في تأسيس نظام حكمه. إلا أنه وبعد مزاعم عن محاولة انقلاب من قبل عسكريون بالتعاون مع حركة النهضة عام 1991، فُصل عشرات من الضباط، وأُلقي القبض على عشرات آخرين، كما وتم تعذيب بعضهم، ما أضعف من صورة الجيش قبل عام 2011.


قامت القوّات المسلّحة بحماية المتظاهرين خلال ثورة 2011، إلا أن هذه القوّات عادت مباشرة إلى ثكناتها، وتجنبت أي تدخل في السياسة، حتى بعد الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد في عام 2013. في نفس الوقت، زادت الحكومة المبلغ المخصص لميزانية وزارة الدفاع بشكل ملحوظ، بحيث إرتفع هذا المخصص من 290 مليون دولار في عام 2011 إلى 1.2 مليار دولار في عام 2021.

مخاوف تتعلق بالعلاقات العسكرية المدنية

أولًا: التخلي عن الدور الحيادي

مع إمكانية تمديد إجراءات الرئيس الاستثنائية، وفي ظل تصاعد الشعبوية في تونس وما توفره من دعم للرئيس ضد البرلمان، هناك مخاوف من عدم الرجوع للوضع الذي كانت عليه البلاد قبل 25 تموز/يوليو. كما وقد يدفع تجميد عمل المؤسسة التشريعية - وما قد ينجم عن ذلك من اضطراب سياسي - بالمؤسسة العسكرية للتدخل، أو حتى لإعلان الأحكام العرفية.

ثانيًا: إعادة تأسيس السلطوية 

قد تؤول إمكانية قيام سعيد بتمديد الإجراءات الاستثنائية إلى تغيير سلوك المؤسسة العسكرية. فإذا ألقت المؤسسة العسكرية بثقلها السياسي خلف الرئاسة، فإن هذا من شأنه أن يضعف المؤسسات والأطراف السياسية الأخرى، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعادة تأسيس النظام السلطوي. هذا فضلًا عن تحول المؤسسة العسكرية، ولو بدون قصد، إلى أداة في يد النظام السياسي الحاكم الجديد لتعطيل المسار الديمقراطي، والبطش بالمعارضين، وتصفية الحسابات.

ثالثًا: تأثير أوسع في الساحة السياسية

قد يقوّض غياب الإشراف والرقابة الحكومية والتشريعية القويتان السيطرة المدنية على العسكر. كما وقد يعزز تزايد شعبية المؤسسة العسكرية - بسبب إنجازاتها في مهام مثل عمليات التطعيم - من تأثيرها بصورة عامة، ومن نفوذها مقارنة مع المؤسسات الحكومية الأخرى.


على الرئيس التونسي العمل على ألا تؤدي الأزمة السياسية القائمة والتغيرات المتولدة عنها إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار، أو إلى تعزيز تأثير المؤسسة العسكرية على حساب المؤسسات المدنية. بالرغم من تمتع منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية بنفوذ محدود على أرض الواقع، لكنها على الأقل تستطيع مراقبة تطور دور المؤسسة العسكرية، وتأثير ذلك على الرقابة والسيطرة المدنيتين.

أحمد عطا الله باحث مستقل، يركز بحوثه على الشؤون السياسية وحقوق الإنسان، إذ درس العلوم السياسية والقانون، و نشر العديد من الدراسات والمقالات التي ناقشت مواضيع متعلقة بحقوق الإنسان، والديمقراطية، والحركات المجتمعية.



 
آخر التغريدات


تواصل معنا