إصلاح قطاع الأمن في فترة ما بعد الحرب الأهلية في سورية يجب أن يتجاوز التأكيد على الرقابة المدنية أو إعادة بناء القدرات الفنية ليشمل إعادة تقييم كاملة وتحوّلًا إلى قطاع دفاعي حديث واحترافي.
بالإضافة إلى تحديات السياسة والمجتمعات والاقتصادات ذات الطابع العسكري الشائعة بين جميع الدول العربية، تواجه سورية اليوم عواقب حرب أهلية أدّت إلى تفتيت القوّات المسلّحة التابعة للدولة وأفرزت العديد من الجهات المُسلّحة غير التابعة للدولة، وكلّها منخرطة في اقتصاد الحرب. استخدمت الدولة القوّات المسلّحة والأجهزة الأمنية على نطاق واسع ضد المواطنين المدنيين منذ عام 2011. ونتيجةً لذلك، أصبح قطاعا الدفاع والأمن من العناصر السياسية القوّية.
قلبَ هذا الأمر الديناميات العسكرية المدنية التقليدية رأسًا على عقب. ففي الوقت الحالي، يدير القادة الأمنيون عملية صنع القرار الاستراتيجي والتعاون مع حلفاء سورية الرئيسين — روسيا وإيران وحزب الله — بالإضافة إلى العلاقات مع الفصائل المُسلّحة الأخرى داخل البلاد. إن استعادة الدينامية العسكرية المدنية التي كانت قائمة قبل الحرب — تحت أي إدارة سياسية — من شأنه أن يتطلب أكثر بكثير من مجرد تأكيد الرقابة المدنية أو إعادة بناء القُدّرات الفنية. سيتطلب ذلك إعادة تقييم كاملة للأهداف والمهام والتنظيم والتحوّل إلى اتجاه حديث واحترافي.
عانى قطاع الدفاع الرسمي في سورية من التبعثر الشديد والوهن والكبير بسبب الخسائر الفادحة، حتى مع استمرار الأداء القتالي الضعيف والمستويات العالية من الفساد والتربّح. لا يسيطر النظام السياسي الحاكم على ميليشيات مدمجة في الهيكليات العسكرية الوطنية لكنها تظل تحت رعاية روسية وإيرانية، ويفتقر النظام السياسي إلى الإيرادات اللازمة لتسريح رجال الميليشيات أو حتى دفع تعويضات مناسبة لقتلى وجرحى الحرب في صفوف قوّاته المسلّحة.
وبالتالي، ستكون عملية إعادة إعمار قطاع الدفاع السوري في فترة ما بعد النزاع معقدة وطويلة وهشّة. إن السيطرة على أجهزة الإكراه التابعة للدولة — القوّات المسلّحة والشرطة وأجهزة الأمن الداخلي، وأجهزة المخابرات — ستكون عنصرًا أساسيًا في المنافسة السياسية في المستقبل. وهذا يعقّد عملية تسريح وإعادة إدماج العناصر المسلحة، وتنظيم قطاع الدفاع، والامتثال لسيادة القانون والحوكمة الخاضعة للمساءلة. قد يؤدي الفشل في معالجة هذه التحديات بشكل فعّال إلى تجدد النزاع في سورية، كما حدث في ليبيا واليمن بعد فشل العملية الانتقالية في كل منهما في عام 2014.
تؤكد هذه التحديات على أهمية جعل إصلاح قطاع الدفاع وتحوّله جزءًا لا يتجزأ من أي عملية إعادة إعمار في سورية، بحيث يجب وضعه على جدول الأعمال العام في أي عملية سياسية لاحقة، وكسر احتكار النظام السياسي للسلطة. في الواقع، تحتاج سورية إلى أكثر من مجرد إعادة بناء أو إصلاح لقطاع الدفاع (والأمن). هناك حاجة إلى تحوّل عسكري كامل ليصبح قطاعًا حديثًا واحترافيًا وقادرًا على الامتثال لسيادة القانون في إطار خاضع للمساءلة.
حتى الآن، ركزت محادثات السلام كثيرًا على قضايا "السياسة العُليا" مثل صِيَغ تشكيل مجلس قيادة عسكري انتقالي لتقاسم السُلطة أو على الهدف العام المتمثل في إنهاء الهيمنة العَلَوية في سلك الضباط وضباط الصفّ. ولكن لم يتم إيلاء الكثير من الاهتمام إلى "الهيكلية" الفعلية التي حافظ النظام السياسي من خلالها دائمًا على سيطرته الحقيقية على قطاع الدفاع: إجراءات التنسيب والترقية، ومحتوى وتطبيق التعليم العسكري والقضاء، ونظام الرواتب والمعاشات التقاعدية، وطبيعة عقود العمل والتوظيف، والخدمة الوطنية الإلزامية (التجنيد)، والتدرّج الوظيفي لضباط الصفّ، والتطوير المهني والفني للعسكريين أثناء الخدمة وإعدادهم للعودة اللاحقة إلى الحياة المدنية، والعديد من "الاحتياجات الأساسية" الأخرى للمؤسسة العسكرية.
لن يتم تفكيك نظام السيطرة الحالي للنظام السياسي الحاكم ما لم تتم معالجة هذه القضايا العملية وغيرها، وسيستمر في السيطرة على القوّات المسلّحة أثناء وبعد الانتقال السياسي. تقع مُهمّة مواجهة هذه التحديات على عاتق مجموعة من أصحاب المصلحة المحليين والخارجيين، ولكن لا يمكن المضي قُدمًا بشكل كامل دون بناء القدرات المدنية. ويشمل هذا المؤسسات البحثية التابعة للمعارضة والمستقلة والجهات المدنية الأخرى مثل الأحزاب السياسية وأعضاء مجلس الشعب المستقبليين وعاملي الأجهزة المدنية للدولة ذات الصلة لمناقشة وتقييم واقتراح الخيارات السياساتية والمقترحات الفنية التي تمسّ جميع جوانب ومستويات قطاع الدفاع بطريقة مستنيرة قائمة على الاحترافية والخبرة.
يُعدّ الإصلاح العسكري وإعادة الهيكلة في سورية أمرًا حيويًا، لكن يجب أن يتجاوز مجرد التأكيد الخطابي لمبادئ الإشراف المدني والحوكمة الخاضعة للمساءلة على قطاع الدفاع، أو إعادة بناء القُدّرات الفنية. يجب، بدلًا من ذلك، إعادة تقييم جميع جوانب قطاع الدفاع الحالي من أجل إجراء تحوّل كامل إلى قطاع دفاع حديث واحترافي يكون قادرًا ومتوافقًا مع القانون. ويشمل هذا عناصر مثل الهيكلية والوضعية والعقيدة القتالية، ولكن الأهم أن يشمل التنسيب والترقيات، ونظام التدريب، والترتيبات القيادية، وإدارة المعلومات، والتي تعتبر عناصر أساسية للتماسك العسكري والفعالية، وأيضًا للسيطرة السياسية واستخداماتها.
يزيد صايغ زميل أول في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط ومدير برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية. وهو مؤلف "أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري."