المرأة في فضاء الدفاع العربي
المرأة في فضاء الدفاع العربي
14 كانون الأول/ديسمبر 2020
علياء براهيمي

تثبت النساء رويدًا فعاليتهنّ في القوّات المسلّحة العربية، إلا أن احتمال تعطيل هذا الجهد لا يزال كبيرًا.

تدخل النساء، في جميع أنحاء الدول العربية، رويدًا في قطاع الدفاع. فالنساء التونسيات يقدنَ السفن البحرية ويحلّقن بالطائرات المقاتلة، وتخدم المرأة الإماراتية في قوّات أمنية متخصصة مثل الحرس الرئاسي، وتقدّم التدريب في المجال العسكري وحفظ السلام للنساء في الخدمة من دول عربية أخرى، كما أصبح بإمكان المرأة السعودية أن تخدم في جميع الفروع الأربعة للقوّات المسلّحة.

الفعالية في ساحة معركةٍ متطورةٍ

مع استمرار تطور "ساحةِ معركةٍ مفتوحة على مصراعيها" في المنطقة، أصبح التمثيل النسائي المتزايد في قطاع الأمن جزءًا لا مفر منه من إصلاحات دفاعية مستدامة، إذ يتجه طابع الدفاع من التركيز على النزاع بين الدول إلى مجرد تخفيف تهديدات الإرهاب الأكثر دقة، وإلى التغيُّر المناخي والأوبئة. كما أن تطوّر التكنولوجيا الدفاعية يجعل فصل الأدوار الدفاعية الجندرية في الصفوف الأمامية والخلفية أمرّا متزايد الصعوبة. وكما أوضحت وزيرة الدفاع النرويجية  آن جريت ستروم إريكسن عندما تبنت النرويج التجنيد المحايد من الناحية الجندرية في عام 2013، أنه "من أجل تأمين قدراتنا العملياتية في المستقبل، نحتاج إلى تجنيد الأفضل، ونحن بحاجة إلى التنوع."

إنّ التوسع في تجنيد النساء والنهوض بهنّ داخل المؤسسات الأمنية يَعود بآثار اجتماعية تحولية محتملة. وتتراوح هذه الآثار من تمكين المرأة داخل الأسرة والمجتمع، حيث تحصل على فرص العمل والتدريب، وصولًا إلى نتائج أفضل للنساء والفتيات في مناطق النزاع، لأسباب ليس أقلها انخفاض مخاطر العنف والاستغلال الجنسيين. ولكن بدلًا من تأطير تضمين الجندر كجزء من مشروع اجتماعي، يمكن تعزيز هذا الهدف من خلال زيادة التركيز على تحسين فعالية المهمة.

في الأردن، على سبيل المثال، وفّرت مديرية شؤون المرأة العسكرية، منذ عام 1995، التعليم وتنمية المهارات للمنتسبات على مستوى تنافسي، لا سيما من خلال تنمية العلاقات مع المؤسسات العسكرية الأجنبية. كما نجحت المديرية في الدعوة إلى تدابير الحد من الموانع، من خلال إجازة الأمومة المدفوعة الأجر وتصميم الزي المحسّن. ينبع نجاح المديرية من إظهار كفاءة الإناث، بدلًا من الحجة المعيارية القائمة على المساواة في الحقوق. ساهم هذا الالتزام بتعظيم الفعالية في توسيع نطاق تجنيد النساء في وحدات مكافحة الإرهاب والاستخبارات عقب تفجيرات عَمّان عام 2005، بسبب الدور البارز الذي لعبته المتطرفة ساجدة الريشاوي.

وبالنسبة لكردستان العراق، حيث انخرطت النساء في المقاومة المسلّحة لعقود من الزمن، مكّنت الجهود المبذولة لتعزيز التعليم والتدريب النساء من التنافس مع الرجال على الأدوار القيادية بقدر أكبر من المساواة، وأدت إلى زيادة التمثيل النسائي في أعلى هرم الشرطة وقوات البيشمركة. لقد عززت المعركة مع تنظيم داعش النظرة إلى  المقاتلات الشابات على أنهنّ حاميات لمجتمعاتهنّ، وهو ما يوفر في حد ذاته حجة قوية لحقوق المرأة. وفي هذه العملية المعكوسة، الوصول إلى الفرصة يسبق الاعتراف بالحقوق، وتصبح الجدارة، التي يمكن إثباتها، بوابة للمضي قدمًا في المساواة.

احتمالية حدوث اضطراب

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من التقدم، المستند إلى الحقائق على الأرض وليس على السياسات، هو عرضة بشكل خاص للاضطراب في بيئة تعترضها عقبات فعلية أمام المرأة. ففي لبنان، على سبيل المثال، عزز قائد الجيش اللبناني جوزيف عون تجنيد الإناث من خلال زيادة عددهنّ من 1000 في نهاية عام 2016 إلى 4000 في عام 2019. ومع ذلك، فإن القرارات الوزارية التي تحكم مشاركة المرأة في القوّات المسلّحة تعود إلى ما يقرب من ثلاثة عقود، وتفتقر إلى السلطة الملزِمة، ويمكن إبطالها بسهولة.

وكانت العراق أول بلد في المنطقة توافق على خطة عمل وطنية لتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن في عام 2014، إلا أن كلًا من رئيسي الوزراء آنذاك نوري المالكي وخلفه حيدر العبادي فشلا في تخصيص موازنة مقابلة، ما شكّك في مدى قبولها وعرقل تنفيذها. وعلى الرغم من زيادة مشاركة المرأة، لا تزال السياسات الجندرية غامضة في جميع أنحاء المنطقة، وتكافح النساء للوصول إلى المناصب القيادية المركزية لصياغة التغيير وترسيخه.

ومع ذلك، إن احتلال التهديدات المختلطة الناشئة مركز الصدارة في ساحة المعركة الإقليمية المتطورة، سيظهر جليًا قيمة تجنيد المرأة وقيادتها. وكما اعترفت القوّات المسلّحة التابعة لحلف شمال الأطلسي والحلف نفسه، فإن التوازن الأفضل بين الجنسين هو في النهاية وسيلة لتوسيع مجموعة المواهب وتحسين الأداء. يُمكّن هذا الواقع العسكريات من خلق التغيير الاجتماعي رويدًا بدلًا من انتظاره، ما يفتح مسارًا مهمًا آخرّا نحو الاستدامة والاحترافية في المؤسسات العسكرية في الدول العربية.


علياء براهيمي هي مديرة أبحاث التنوع والشمولية الجندرية في برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية في مركز مالكولم كير–كارنيجي للشرق الأوسط. وشغلت سابقًا مناصب في جامعة أكسفورد وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.



 
آخر التغريدات


تواصل معنا