إضفاء الطابع الساحلي على التعليم العسكري في موريتانيا
إضفاء الطابع الساحلي على التعليم العسكري في موريتانيا
04 كانون الثاني/يناير 2021
جان لو سمعان

تُظهر كلية الدفاع للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل قيمة وقيود التعليم العسكري كوسيلة للتكامل الإقليمي.


يقدّم إنشاء كلية الدفاع للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل في عام 2018، وهي كلية حربية لهذة المنطقة دراسة حالة تكشف عن كيفية استخدام موريتانيا للتعليم العسكري كأداة للتكامل الإقليمي. كما يؤكد هذا على افتراضٍ رئيس وهو أنه يمكن أن يكون هناك مساحة استراتيجية لمنطقة الساحل بقضاياها الأمنية الخاصة، مدفوعة بالديناميات المحلية.

المنطق الموريتاني في إضفاء الطابع الساحلي

قبل إنشاء المجموعة الخماسية لدول الساحل (أي المجموعة) في عام 2014، كانت موريتانيا تعتزم إنشاء الكلية الحربية الموريتانية في عاصمتها نواكشوط لتدريب الضباط الموريتانيين الذين يعتمدون عادةً على البرامج الأجنبية في أوروبا أو في البلدان العربية الشريكة، إلا أن إنشاء الأمانة الدائمة للمجموعة في نواكشوط أوجد فرصة لدعم تحديث القوّات المسلّحة الوطنية الخمس من خلال كلية دفاع من طابعٍ آخر.


يعكس إضفاء الطابع الساحلي على التعليم العسكري الموريتاني طبيعة التحديات العملياتية التي تواجه قيادتها العسكرية، والتي شنت
عمليات لمكافحة الإرهاب على مدى العقد الماضي. في الوقت نفسه، كان التحول إلى كلية الدفاع للمجموعة يعني أن موريتانيا تصور أمنها القومي على أنه مرتبط جوهريًا بالتعاون الدفاعي مع جيرانها في المنطقة. وعلى المستوى العملي، تم اتخاذ القرار أيضًا من خلال إدراك أن إضفاء الطابع الساحلي على الكلية سيمكّن نواكشوط من جذب التمويلات والشراكات (من فرنسا أو ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة) والتي ستكون صعبة المنال في ظل برنامج وطني.


على الرغم من أن موريتانيا كانت إلى حد بعيد أكبر مساهم في الكلية، إلا أنها تجنبت بعناية تصوير المنظمة على أنها من بنات أفكارها. عرّفت الكلية نفسها، في العديد من الوثائق، على أنها "
أول مدرسة حربية عابرة للحدود في العالم." وبغض النظر عن التسميات الجذابة، هدَفَ مديرو المنظمة إلى تصميم دورات لا تغطي المسائل الاستراتيجية والعسكرية مثلما يفعلون في الولايات المتحدة أو في أوروبا، وإنما تصمم دورات وفقًا للاحتياجات المحلية. ذكر العقيد الفرنسي تشارلز ميشيل، وهو أول مدير للدراسات في الكلية، في مقابلة أجراها المؤلف في تشرين الأول/أكتوبر 2020، أن الهدف من المدرسة هو أن تكون "مدرسة لسكان منطقة الساحل الذين ينظرون إلى قضاياهم الخاصة برؤيتهم الخاصة لها."


لهذا الغرض، اعتمدت الكلية في جزء كبير منها على متحدثين من المجتمع الأكاديمي للدول الخمس وبدأت عملية اعتماد شهادة الماجستير مع جامعة نواكشوط. وحسب ما أكدته وثائقٌ رسمية، فقد نظر البرنامج إلى منطقة الساحل على أنها
مجمع أمني متماسك، له منطقه الخاص من حيث التاريخ والجغرافيا والثقافة، وهذا الأمر أكثر من مجرد نقاش فكري: إن طرح منطقة الساحل كمنطقة بهويتها الأمنية الخاصة يعني ضمنًا أن التحديات الإسلامية التي واجهتها الدول الأعضاء لم تتشكل فقط من خلال اتجاهات الإرهاب العالمي، بل بالأحرى من خلال القضايا المحلية التي تتطلب استجابات محلية على وجه التحديد.

إضفاء الطابع الساحلي مقابل التأثيرات الغربية والعربية

في حين عززت عملية إضفاء الطابع الساحلي على التعليم العسكري الموريتاني هوية استراتيجية جديدة مشتركة مع أربع دول أخرى، فهي أيضًا سلطت الضوء على التحدي المتمثل في تنفيذ برنامج تعليمي دون تأثير خارجي. واجهت كليات عسكرية عربية أو أفريقية أخرى قضايا مماثلة، بدءًا من التأثير الغربي على الدراسات الاستراتيجية والتعليم العسكري. وأدى غياب الأدبيات الاستراتيجية المحلية الكبيرة إلى إعاقة الهدف المتمثل في تجاوز المفكرين الكلاسيكيين، مثل كلاوزويتز أو ثوسيديديس، أو الاستراتيجيين الأوروبيين بشأن الحرب غير النظامية. علاوة على ذلك، اعتمد المدربون الأجانب أيضًا على دراسات حالة من خارج المنطقة لتجنب الإضرار بالحساسيات الدبلوماسية بين الدارسين. وقد أشار مدرس فرنسي سابق في الكلية في مقابلة في تشرين الأول/أكتوبر 2020 إلى أن مناقشة الحروب الأوروبية كان أكثر ملاءمة من النزاعات التشادية.


بالإضافة إلى التحدي المتمثل في تكييف المعرفة الاستراتيجية ذات التوجه الغربي، فقد تعرضت الكلية أيضًا للتعايش مع لغات العمل المختلفة. تم اختيار اللغة الفرنسية كلغة رئيسة للكلية، لكن موريتانيا، كدولة عربية، دفعت بثبات لإدراج اللغة العربية في البرنامج. تم بناء حرم الكلية، الذي أطلق عليه اسم كلية الشيخ محمد بن زايد العسكرية، بفضل الدعم المالي من دولة
الإمارات العربية المتحدة. ووفقًا لمقابلة أجريت في أيلول/سبتمبر 2020، أرسلت المملكة العربية السعودية ستة ضباط لحضور الدورة في عام 2020. في المستقبل، إذا لم يصبح تعريب البرنامج مسألة لغوية فحسب، بل سيكون له أثر أيضًا على خيارات المناهج الدراسية، فقد يمثل هذا تحديًا للهدف الأولي المتمثل في إضفاء الطابع الساحلي، وهذا أحد أسباب إصرار البلدان الأربعة غير الناطقة بالعربية على الحفاظ على الفرنسية كلغة العمل الأساسية.

محور للتكامل الإقليمي؟

تسلط كلية الدفاع للمجموعة الضوء على الطريقة التي يُستخدم بها التعليم العسكري الاحترافي بشكل متزايد كأداة لدعم التكامل الإقليمي. إذا كان من الممكن أن تؤدي التدريبات والتمارين العسكرية المشتركة إلى تحسين قابلية العمل بين دول المجموعة، فإن الدورات التي يتم تقديمها في الكلية في نواكشوط يمكن أن تساعد في خلق رابطة بين هذه القوّات المسلّحة وبناء ثقافة استراتيجية مشتركة. كما أنها توضح الجهود التي تبذلها دولة — في هذه الحالة موريتانيا — لوضع نفسها كحجر الزاوية لهذا المشروع، كما فعلت إستونيا مع كلية الدفاع البلطيقية في عام 1998، وكما فعلت الكويت مع المركز الإقليمي لحلف شمال الأطلسي ومبادرة إسطنبول للتعاون في عام 2017. في نهاية المطاف، تعكس كلية الدفاع للمجموعة أيضًا تحديات بناء الهوية الاستراتيجية لمساحة جيوسياسية جديدة مثل منطقة الساحل.

 

جان لو سمعان باحث منتسب إلى معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية.



 
آخر التغريدات


تواصل معنا