النظام الشعبوي في مصر
النظام الشعبوي في مصر
01 شباط/فبراير 2021
نيثان تورونتو
في السنوات العشر التي تلت الربيع العربي، حوَّل الرئيس السيسي البلاد إلى "نظام شعبوي" مدعوم من المؤسسة العسكرية، وهو نظام حكم استبدادي بتطلعات شعبوية وقوة مركّزة في شخص واحد.

[ملاحظة: هذه المقالة هي مقتطف من دراسة أطول تم نشرها في معهد الدراسات السياسية الدولية]

أدت الاحتجاجات التي بدأت في مصر في 25 كانون الثاني/يناير 2011 إلى ثورة انقلابية، وتطورت البلاد منذ ذلك الحين إلى نظام شعبوي، وهو النظام الأحدث بين أنماط الإصرار الاستبدادي. استغلت المؤسسة العسكرية حركة شعبية حقيقية في عام 2011 للإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، الذي هدّد المكانة الأولى للقوّات المسلّحة في الدولة من خلال إعداد ابنه لخلافته. بمجرد أن أزالت هذه الثورة الانقلابية هذا التهديد، وبمجرد الإطاحة بأول رئيس منتخب بحُرية في مصر في عام 2013، شرعت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إطالة وتعميق قبضة المؤسسة العسكرية على السلطة بقشرة تفويض شعبي.

يشير الطريق إلى النظام الشعبوي كيف شكّلت العلاقات العسكرية المدنية البلاد. المصريون أسوأ حالًا في عام 2021 مما كانوا عليه في عام 2011، مع وجود حريات أقل وفرص اقتصادية أقل وتنمية بشرية أسوأ، إلا أن المصريين الذين يتذكرون اضطرابات الربيع العربي لا يستطيعون تحدي حكم السيسي، ما يشير إلى أن تغيير النظام الشعبوي في مصر في وقت قريب أمر مستبعد. قد يمر جيل قبل أن ينسى المصريون عام 2011، وعندما يضيقون ذرعًا مرة أخرى من تضاؤل ​​قوتهم، سيطيحون بالحاكم لأي شيء أو أي شخص يأتي بعد ذلك.

التغيرات في العلاقات العسكرية المدنية

هناك ثلاثة تغيرات في العلاقات العسكرية المدنية توافقت مع ترسيخ النظام الشعبوي في مصر. الأول هو أن المؤسسة العسكرية بشكل عام وإدارة السيسي على وجه الخصوص، تبنّوا موقفًا حازمًا من المعارضة. لقد تعلموا من إخفاقات إدارة مبارك. عندما تحولت المظاهرات التي نُظمت بدون الإنترنت إلى احتجاجات كبيرة تم تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تفاجأت الشرطة، وسار المتظاهرون الذين أصبحوا أكثر جرأة إلى ميدان التحرير وأوقدوا شعلة الثورة. كان الدرس للقادة العسكريين واضحًا: اتخِذوا موقفًا صارمًا من المعارضة الشعبية وإلا ستنالون نفس مصير مبارك. تم قمع الاحتجاجات القليلة التي نشأت بشكل سريع، ولم تتردد إدارة السيسي في استخدام القوة للقيام بذلك، وهو نهج صارم ضد المعارضة ومهم بالنسبة للشعبوية في مصر.

التغير الثاني في العلاقات العسكرية المدنية هو أن إدارة السيسي أقامت تحالفًا مع دول ذات تفكير مماثل مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. سمح هذا الدعم الخارجي للسيسي بتجاهل الدعوات المحلية للتغيير، ومكنه من تأمين واحدة من أكبر التعزيزات العسكرية في تاريخ مصر. هناك عنصر شعبوي في هذه التحالفات أيضًا. فقد عزّز عزل الرئيس السابق محمد مرسي عام 2013 الطرح القائل بأن مصر دولة علمانية مناهضة للإسلاميين، وسمح للسيسي بطرح نفسه كمدافع عن الإرادة الوطنية. رسّخت مليارات الدولارات من الدعم المالي والنقدي من الإمارات والسعودية هذا الموقف المناهض للإسلاميين وساعدت السيسي على ترسيخ النظام الشعبوي في مصر.

التغير الثالث في العلاقات العسكرية المدنية الذي عزز النظام الشعبوي هو النفوذ المتزايد للمؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد. فمن خلال البناء على نمط بدأ في سبعينيات القرن الماضي، اكتسبت الشركات وكذلك المقاولون العسكريون دورًا متزايدًا في الاقتصاد المدني. تشوّه المؤسسة العسكرية شفافية الاقتصاد وتطوره، ما يسمح لإدارة السيسي بتعزيز دعم الضباط المستفيدين. لقد ظهرت طبقة حاكمة جديدة من الضباط، وقلّصت امتيازات المؤسسة العسكرية فرص التنمية الاقتصادية الحقيقية، وأصبح من الصعب على المؤسسة العسكرية تخليص نفسها من الأعمال التجارية والسلطة، ما يؤدي إلى تبديد رأس المال.

تبسيط العلاقات العسكرية المدنية

أدى توطيد النظام الشعبوي في مصر إلى جعل العلاقات العسكرية المدنية أبسط بكثير في عام 2021 مما كانت عليه في عام 2011. ولا تقلق المؤسسة العسكرية المصرية حاليًا بشأن وجود وزارة داخلية حازمة أو رئيس مستقل لتحدي قبضتها على السلطة. إن النفوذ  الاقتصادي المشوه، ودعم الحلفاء الإقليميين، والنهج الصارم ضد المعارضة يحافظ على سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة، لأن المصريين لا زالوا يتذكرون اضطرابات الربيع العربي وليس لديهم سوى القليل من الجرأة للقيام مرة أخرى بعمل مماثل غير معروف النتائج. عند نشوء جيل جديد لا يتذكر حالة عدم اليقين هذه، ولكنه يعاني من القمع وانعدام الفرص، فإن شيئًا جديدًا — أو مختلفًا على الأقل — سيحل محل النظام الشعبوي في مصر.

 

نيثان تورونتو هو مدير التحرير في برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية في مركز مالكولم كيركارنيغي للشرق الأوسط. وهو مؤلف كتاب المعرفة العسكرية: رأس المال البشري والتعليم العسكري وفعالية ساحة المعركة.


 
آخر التغريدات


تواصل معنا