يجب على إصلاح قطاع الأمن بعد الحرب مراعاة خطر تسييس المؤسسة العسكرية من قبل جميع الفاعلين السياسيين في سورية، وليس فقط حزب البعث.
مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لبداية النزاع السوري، أكدت النقاشات المنشورة على منصة توازن ومواقع أخرى على الحاجة إلى إعطاء الأولوية لإصلاح قطاع الأمن في سورية ما بعد الحرب. يسلّط المعلقون الضوء على إضفاء الطابع الاحترافي على المؤسسة العسكرية السورية وعدم تسييسها كأهداف رئيسة للحفاظ على السلام ورسم مسار ديمقراطي قوي. مثل هذه المخاوف مبررة بالنظر إلى ولاء المؤسسة العسكرية لعقود طويلة للنظام السياسي البعثي الحاكم بقيادة الرئيس بشار الأسد، مدعومًا بهيمنة الطائفة العلوية والمحسوبية المتفشية بين كبار الضباط. من البديهي أن يعمل القائمون على إصلاح قطاع الأمن على عدم التسييس من خلال كبح نفوذ البعثيين داخل صفوف المؤسسة العسكرية.
يجب أن يعالج إصلاح قطاع الأمن أيضًا خطر تسييس المؤسسة العسكرية من قبل الجهات السياسية الفاعلة الأخرى في سورية. إنّ بيئة ما بعد الحرب المستقطبة ودمج الفصائل المسلّحة في القوّات المسلّحة الوطنية تهدد قدرة العسكريين على البقاء بعيدًا عن التحزب. سيكون للسياسيين الناشطين سابقًا أثناء النزاع حوافز لتسييس الحلفاء السابقين في المؤسسة العسكرية. تعكس هذه الظروف الصراعات العسكرية المدنية في سورية ما بعد الاستعمار، والتي شهدت قيام نواب مدنيين بتسييس القوّات المسلّحة. وبالتالي، فإن عدم تسييس المؤسسة العسكرية في سورية ما بعد الحرب يتطلب معالجة الدور الذي يلعبه رجال الدولة في تشكيل فصائل في القوّات المسلّحة.
بعد الاستقلال عن فرنسا، دخل الجنود مجال السياسة السورية كحلفاء حزبيين لمدنيين ساخطين بدلًا من أن يكونوا كتلة واحدة. أدى الخطاب السياسي المتعلق بقضايا التوزيع الاقتصادي والوحدة العربية إلى حدوث استقطابات، ما أثار خصومات مريرة. ونتيجة لذلك، أنشأ قادة الأحزاب من جميع الأطياف، بما فيها القوميين الاجتماعيين والبعثيين الاشتراكيين العرب، تحالفات سياسية مع العسكريين ليتخلصوا من خصومهم من خلال الانقلابات. وشمل ذلك التقرب من الضباط ذوي الفكر المماثل أو تشجيع الحزبيين على التسلل إلى الأكاديميات العسكرية والانخراط في القوّات المسلّحة. سرعان ما أصبحت التحالفات العسكرية المدنية الدافع لتغيير النظام وتشكيله، بل إنها أدت إلى ظهور النظام السياسي البعثي الحاكم اليوم. وعند انقسام رجال الدولة في فصائل متعددة، أحدثت خصوماتهم انقسام في المؤسسة العسكرية ودخل العسكريين السياسة. في نهاية المطاف، انهارت الآفاق الديمقراطية والحكم المدني.
ستظل التحالفات السياسية بين العسكريين ورجال الدولة خطرًا حقيقيًا في سورية ما بعد الحرب، لا سيما إذا عادت ظروف مماثلة إلى الظهور. سيظهر الانتقال السياسي في بيئة شديدة الاستقطاب، خاصة إذا أدى إلى إعادة إدخال نظام تعددي مع أحزاب المعارضة. ومع قيام أصحاب المصلحة السياسيين مثل الجماعات المسلّحة السابقة باستحداث جبهات سياسية، يمكن أن تؤدي الأمور المتعلقة بالتعويضات وإعادة الإعمار وغيرها من القضايا الاجتماعية والسياسية إلى تعميق الانقسامات الجماعية التي تفاقمت بالفعل بسبب النزاع. من المرجح أن تؤدي الأمور الحساسة، مثل العدالة الانتقالية والمساءلة عن الفظائع التي ارتكبت في زمن الحرب، إلى انقسام المعارضين السابقين، ما يضع نخب ما بعد الحرب في بيئة أكثر استقطابًا من أسلافهم في فترة ما بعد الاستعمار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحداثة النسبية للمؤسسات والمعايير الديمقراطية يمكن أن تدفع نواب مدنيين ساخطين للطّرق على أبواب الثكنات للتخلص من مُنافسيهم.
كما سيتفاقم التواطؤ بين العسكريين ورجال الدولة نظرًا لاحتمال اندماج الفصائل المسلّحة في المؤسسة العسكرية. بعد اندلاع النزاع في عام 2011، أحدثت الأحزاب السياسية الموجودة مسبقًا، مثل القوميين الاجتماعيين السوريين، أجنحة عسكرية لتكون بمثابة جيوش خاصة تقدم مصالح حزبية، سواء كانت مع الأسد أو ضده. كما قامت جهات مسلّحة أخرى، مثل حركة الغد في سورية، باستحداث جبهات سياسية للعمل على المستوى المحلي، على أمل الحفاظ على حصة سياسية في فترة ما بعد الحرب.
يمثل هذا الأمر إشكالية مزدوجة للاستقرار وتسييس المؤسسة العسكرية في سورية ما بعد الحرب. إن وجود الميليشيات الحزبية في أعقاب الانتقال السياسي يهدد أي عملية سلام حقيقية. ومع ذلك، إذا تم دمج هذه الفصائل في المؤسسة العسكرية لمنع سياسة الميليشيات، فستستمر العلاقات بين قادة الأحزاب والعسكريين في فترة ما بعد الحرب، ما يجعل التواطؤ خيارًا قابلاً للتطبيق ويقوّض قدرة القوّات المسلّحة على البقاء في منأى عن الخطاب السياسي.
يمكن لمثل هذه العلاقات أن تلغي الارتباط الذي كان لدى الحزبيين المسلحين السابقين بالقوّات المسلّحة الوطنية نظرًا لأن تعزيز الاحتراف العسكري يستغرق بعض الوقت. إذا قام قادة الأحزاب بإعادة النظر في حلفائهم السابقين داخل المؤسسة العسكرية، فسوف تطفو على السطح تحالفات عسكرية مدنية قائمة على الولاء للفصائل. يوضح التاريخ السوري الخطر الذي يشكله هذا الأمر على الحكم المدني، إذ اعتمد القائدان البعثيان المدنيان ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار على حلفائهم العسكريين للاستيلاء على السلطة في عام 1963 ليتم الإطاحة بهما من قبل نفس الرفاق بعد ذلك بثلاث سنوات. وبحلول عام 1970، عزز الضباط البعثيون سلطتهم، معلنين بدء حقبة من الحكم العسكري المؤسساتي.
يجب أن يمتد التعامل مع تسييس المؤسسة العسكرية، لا سيما أثناء الانتقال السياسي، إلى ما هو أبعد من تقليص النفوذ البعثي. يتمتع أصحاب المصلحة إلى جانب أصحاب النفوذ البعثيين بالقدرة على تسييس القوّات المسلّحة، خاصة إذا كان حلفاؤهم السابقون يشغلون مراتب عسكرية. يجب على صانعي السياسات إعطاء الأولوية لخطة نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج التي تدمج المقاتلين الحزبيين السابقين في الحياة المدنية. وهذا يعني أنه يجب تفكيك الأجنحة العسكرية، وهي استراتيجية ممكنة فقط إذا قام المقاتلون الحزبيون بتأمين مستقبل لهم كسكان مدنيين. كما يجب على صانعي السياسات إعطاء الأولوية لتثقيف رجال الدولة حول معايير الاحتراف العسكري. يتطلب ضمان وجود مؤسسة عسكرية غير حزبية ومستقبل مستقر أن يلتزم رجال الدولة والعسكريين على حد سواء برؤية خالية من الانقسامات وفق الفصائل.
صلاح بن حمو طالب دكتوراه في الدراسات الأمنية بجامعة فلوريدا الوسطى.