صورة من حسام الحملاوي – المشاع الإبداعي
أدى الدور الجازم للقوّات المسلّحة العربية منذ عام 2011 إلى وجود أدوار عسكرية متعددة الأوجه وخَلْقَ عقبة إضافية أمام الحكم المدني.
بعد مرور عشر سنوات على ما يسمى بالربيع العربي، يمكن استخلاص بعض الدروس، بغض النظر عن الحصاد الضئيل في عملية التحول الديمقراطي الفاشلة، والعنف الذي يلوح في الأفق والحروب الأهلية. والأهم من ذلك، أن هذه الدروس تدور حول دور جديد جازم من قبل المؤسسات العسكرية العربية، وهي دروس تم تعلّمها من جديد في الجزائر والسودان في عام 2019، ولكن مع بعض الاختلافات المهمة مقارنة مع دور العسكر في الثورات العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
على خلاف ما حدث في السابق، لم يخرج الضباط العرب من الثكنات في عام 2011 نتيجة تآمر مجموعات صغيرة ضد الأنظمة الضعيفة، تبعها انخراط الضباط في السياسة واستيلائهم على السلطة عن طريق الانقلابات، كما حدث سابقًا في مصر وليبيا وسورية واليمن، أو محاولة القيام بذلك في سياق التنافس الإقليمي. وبدلًا من ذلك، في عام 2011، كان لكبار الضباط إشكاليات مع الأنظمة السياسية القائمة، رغم أنهم لم يتدخلوا بسبب هذه الإشكاليات. عندما تم الإطاحة بالأنظمة، لم تكن الانقلابات مبنية على المكائد وحشد القوّات المسلّحة بأكملها خلفهم، بل كانت قائمة على استغلال الاحتجاجات الحاشدة لكسب الشرعية لما سيأتي فيما بعد.
لم تعتبر الحكمة التقليدية القوّات المسلّحة العربية جهات فاعلة رئيسة في عام 2011. فقد ضغطت الاحتجاجات التي نظّمها النشطاء الشباب على الأنظمة الاستبدادية إلى الحد الذي أوقفها عن العمل، ومزّق الإمكانات القمعية التي يقوم عليها الاستبداد، حيث كان المحتجون توّاقين إلى حكم يسود فيه الأمن البشري والرفاه الاقتصادي. سحب الأوتوقراطيون القوّات المسلّحة من سباتها البيروقراطي عندما أصبحت وزارات الداخلية وقوّات الشرطة غير قادرة على التصدي لتلك الاحتجاجات. كانت القوّات المسلّحة بعيدة عن السياسة وتجهل الديناميات الاجتماعية في عامي 2011 و2012، ما أدى إلى تحركات سياسية محرجة بعد انحسار احتجاجات الربيع العربي ودخول إعادة البناء السياسي ضمن برنامج العمل الجديد.
كان احتمال القمع الهائل بمثابة اختبار ضغط حاسم للقوّات المسلّحة التي تم جلبها إلى المقدمة، لا سيما عندما وضعتها وسائل التواصل الاجتماعي وكاميرات الهواتف المحمولة أمام أنظار الجميع. كانت القوّات المسلّحة مؤسسات هرمية، لكن المجندين وصغار الضباط لم يكونوا بعيدين عن مطالب المحتجين، في الوقت الذي كان يتمتع فيهن كبار الضباط بامتيازات رفيعة. ملأت القوّات المسلّحة الفراغ الذي تركته الأنظمة السياسية الحاكمة التي خلعتها الاحتجاجات الشعبية، لكنها حافظت أيضًا على مصالحها المؤسساتية. علاوةً على ذلك، تباينت مواقف القوّات المسلّحة المختلفة بشكل كبير.
استخدمت بعض القوّات المسلّحة تسلسلها الهرمي المتماسك لتنأى بنفسها عن الحكام، حيث أشار كبار الضباط إلى أنهم لن ينخرطوا في القمع، ما أدى إلى سقوط فوري لهؤلاء الحكام. خرجت القوّات المسلّحة التونسية من السياسة وسمحت للمدنيين بإعادة بناء النظام السياسي بصعوبة. في مصر، زاد تدخل القوّات المسلّحة، التي أصبحت لاعبًا فوق الدستور ونفذت انقلابًا في عام 2013 ضد جماعة الإخوان المسلمين من خلال استغلال النشطاء المدنيين والقوى السياسية الأخرى، مثل السلفيين. ثم وضع الرئيس عبد الفتاح السيسي القوّات المسلّحة في مقعد القيادة، حيث كان توسّع ملكية القوّات المسلّحة في البلاد والقمع المكثف بشكل كبير من أبرز مظاهر دورها القيادي.
شاركت القوّات المسلّحة الأخرى في القمع وتعرّضت للانقسام، وأصبحت "مهجّنة" ما عجّل بنهاية الأنظمة السياسية القائمة. دخل مجلس التعاون الخليجي في وساطة في اليمن وتدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا. في اليمن، كان هناك انقلاب من قبل قادة عسكريين شماليين من أوساط النخبة غير مرتبطين مباشرة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث استفادوا من وجود جو من التعبئة المدنية. ثم تم تفكيك القوّات المسلّحة من قبل الحوثيين والانفصاليين الجنوبيين والحكومة المدعومة من المملكة العربية السعودية، وهي حكومة بالاسم فقط. وأدى اختفاء قطاع الأمن الليبي بأكمله إلى جعْل المدنيين — الذين تحولوا إلى ميليشيات وقادة كتائب ثورية — من أصحاب المصلحة الرئيسين، وإلى صعود القائد خليفة حفتر في شرق البلاد والجيش الوطني الليبي التابع له، وهو جيش بالاسم فقط.
لا تزال قوّات مسلّحة أخرى مشاركة في قمع قصير الأمد لدعم الشرطة، مثل قوّات دفاع البحرين، المدعومة بقوة من التدخل السعودي الإماراتي. في سورية، كان للقوّات المسلّحة تقارب طبيعي أكبر إلى جوهر النظام (الشرطة والوحدات البريتورية). بالرغم من فقدانها ثلثي قوّتها البشرية، إلا أن حكومة الرئيس بشار الأسد تمكّنت، من خلال تعنيف القوّات المسلّحة، من الحفاظ على هيكلها التنظيمي قائمًا بمساعدة حزب الله وإيران وروسيا.
مهّدت التحولات اللاحقة لعام 2011 الطريق لأدوار عسكرية متعددة الأوجه. لقد أصبحت المشكلة في معظم الحالات أوسع وأعمق من مجرد إصلاح الحوكمة وقطاع الأمن في الفترات الانتقالية. سيكون من الصعب عكس اتجاه هذا الدور الجازم والنفوذ العسكري، إذ وضعت القوّات المسلّحة العربية نفسها في عمق عمليات إصلاح النظام بعد عامي 2011 و2012، إما من خلال ثقلها المؤسساتي الكامل أو من خلال حلّها (وما تلاه من صعود للميليشيات وأمراء الحرب). وقد أدى ذلك إلى جعل مشكلة الانتقال إلى الحكم المدني مختلفة تمامًا عن تجربة حالات أخرى في أمريكا اللاتينية وجنوب أوروبا، حيث لم تعد القوّات المسلّحة المتماسكة تحمل شعورًا بالمسؤولية السياسية بينما أعاد الحكم المدني تنشيط نفسه في الأنظمة السياسية الديمقراطية.
فيليب دروز فينسينت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد غرينوبل للدراسات السياسية ومؤلف كتاب السياسة العسكرية في العالم العربي المعاصر.