العقبات الخمسة أمام تطوير القدرات العسكرية اللبنانية
العقبات الخمسة أمام تطوير القدرات العسكرية اللبنانية
20 نيسان/أبريل 2021
آرام نركيزيان

ستؤثر خمس عقبات على التطوير المستقبلي للقدرات العسكرية اللبنانية: تكامل القوّات المشتركة والتوجه الاستراتيجي والتنافس بين النخب والأزمات الاقتصادية وأزمات الرعاية الصحية والتحديات الخارجية.

بعد انسحاب القوّات المسلّحة السورية من لبنان عام 2005، بدأت القوّات المسلّحة اللبنانية — المعروفة بالجيش اللبناني — في تطوير قدراتها. على الرغم من عدم وجود توجيه سياسي إستراتيجي من أعلى الهرم إلى أسفله لتوضيح موقف القوّة والعقيدة والموارد، إلا أن الجيش اللبناني عمل مع مانحي المساعدات الأمنية الخارجية على إعداد خطتين خمسيتين لتطوير القدرات خلال الفترتين بين 2013 و2017 وبين 2018 و2022.

نظرًا لأن الجيش اللبناني يعمل الآن على تجهيز خطته الخمسية الثالثة (للفترة الممتدة بين 2023 و2027)، فإنه يواجه تحديات متداخلة مرتبطة برأس المال البشري والتوجه الاستراتيجي والحوكمة وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. يتزامن ذلك مع تأثير جائحة كورونا على ميزانيات المساعدات الخارجية، الأمر الذي يزيد من تعقيد تراجع الاهتمام الدولي بلبنان والذي كان قد بدأ بالفعل قبل الجائحة.

الجهد التصاعدي

لعبت الولايات المتحدة دورًا حاسمًا في مساعدة الجيش اللبناني على إطلاق جهود تفعيل قدراته. أدى تقرير مارتز لعام 2006 — الذي سُمّي على اسم مؤلفه الرئيس، العميد المتقاعد جوزيف مارتز — والتقييمات الأمريكية اللاحقة إلى تشكيل سلسلة من مراجعات القدرات المشتركة بين القوّات المسلّحة الأمريكية والجيش اللبناني ابتداءً من عام 2009. التقى مسؤولون في الحكومة الأمريكية مع أفراد من القوّات المسلّحة اللبنانية يمثلون الجيش والقوّات البحرية والقوّات الجوية والاتصالات والاستخبارات والتنقل المحمي وقوّات العمليات الخاصة. عندما كان تفعيل القدرات في أعلى مستويات نشاطه كانت تُعقد الاجتماعات المشتركة الداخلية للجيش اللبناني شهريًا تحسبًا للجولة الثنائية القادمة من مراجعات القدرات المشتركة مع نظيره الأمريكي.

انضم شركاء آخرون إلى هذا الجهد أيضًا، إذ دعمت المملكة المتحدة نائب رئيس أركان الجيش اللبناني للتخطيط، وحذت دول أخرى مثل فرنسا وكندا وإيطاليا حذوها بمبادرات دعم ثنائية خاصة بها. كما ساعدت وكالات الأمم المتحدة الجيش اللبناني في تحديد أجندة تطوير قدراته في سياق دعم متعدد الأطراف لأمن لبنان واستقراره. وعززت اجتماعات اللجنة العسكرية التنفيذية اللاحقة التي يقودها الجيش اللبناني الجهود الثنائية المتباينة في كثير من الأحيان للدول الشريكة في إطار عمل واحد لدعم تطوير قدرات الجيش اللبناني.

مكّن إعلان بعبدا الصادر في حزيران/يونيو 2012، الذي صدر أثناء فترة ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، الجيش اللبناني من مواءمة أهداف تطوير قدراته مع الجهود المبذولة للتخفيف من عدم الاستقرار الناجم عن الحرب الأهلية في سورية المجاورة. نتج عن هذه الجهود مجتمعة، وبدافع من المؤتمر الوزاري المقرر عقده في حزيران/يونيو 2014 في روما لتعزيز الدعم الدولي للجيش اللبناني، أول خطة لتطوير القدرات في نيسان/أبريل 2013.

دفعت الفترة التي سبقت المؤتمر الوزاري الثاني في آذار/مارس 2018 الجيش اللبناني إلى إنتاج خطة تطوير قدرات ثانية تركز على دعم أمن الحدود مع سورية، وتعزيز القدرات البحرية للجيش اللبناني، والتحضير لمجموعة مهام جديدة مرتبطة بالتنقيب عن النفط والغاز، ووضع الجيش اللبناني للتكيّف مع التغيرات الجيوسياسية على طول الخط الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة بين إسرائيل ولبنان.  

العقبات أمام تخطيط القدرات

نظرًا لأن الجيش اللبناني يعمل على خطة تطوير القدرات الثالثة، فإن هذا الجهد سيتطلب الحد من خمس عقبات حاسمة. أولًا، لا يزال الجيش اللبناني يكافح من أجل اندماج وتعزيز التعاون بين الضباط المكلفين اسميًا بتخطيط قدرات الجيش اللبناني. تقاعد معظم الضباط الذين لعبوا دورًا فعالًا في صياغة أول خطتين لتطوير القدرات، وكانت انتقالات القيادة العسكرية في عامي 2016 و2019 إما عشوائية أو تم تقويضها بسبب السياسات الداخلية اللبنانية، أو كليهما معًا. وفي الوقت نفسه، فإن آليات تنسيق المانحين، مثل اللجنة العسكرية التنفيذية ومديرية التعاون العسكري الدولي المُشَكّلة حديثًا، إما غير نشطة أو غير مستغلة بالشكل المطلوب.

ثانيًا، يواصل الجيش اللبناني البحث عن توجه استراتيجي هادف. أكدت خطتا تطوير القدرات الأولى والثانية على أدوار الجيش اللبناني المرتبطة بمكافحة الإرهاب وسلامة الأراضي والسيادة. وبعد قيامه بطرد الدولة الإسلامية المعلنة ذاتيًا في عام 2017، لا يزال دور الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب قائمًا. يفتقر الجيش اللبناني في مرحلة ما بعد الدولة الإسلامية أيضًا إلى بيئة سياسية مواتية للتعامل مع الأمر الأهم، ألا وهو الاستقلال الذاتي الداخلي لحزب اللّه، والذي يقوّض تطلع الجيش اللبناني إلى أن يكون الضامن الوحيد لوحدة أراضي لبنان.

ثالثًا، كان غياب أي تخطيط هادف من قبل الحكومة اللبنانية بشأن الدفاع تحديًا مزمنًا ومستدامًا منذ عام 2005. ولا تزال المدخلات المدنية في صياغة الاستراتيجية خاضعة لمصالح النخب السياسية الطائفية المتنافسة الضيقة والذين يعتبرون الجيش، في أحسن الأحوال، بمثابة غنيمة تتنافس عليها، وفي أسوأ الأحوال، تهديدًا لاستقلاليتهم. نتيجةً لذلك، غالبًا ما يكون الجيش اللبناني في موقف حرج من دعم تطويره العسكري دون وجود إطار حكم مدني لتشكيل الميزانيات، أو جلسات استماع برلمانية حول الطرق والوسائل، أو توجيهات هادفة للأمن القومي اللبناني.

االعقبة الرابعة هي تداخل أزمات الرعاية الصحية والأزمات الاقتصادية في لبنان. في 14 نيسان/أبريل 2021، بلغ عدد حالات كورونا في الجيش اللبناني 2492 حالة، أو 3 في المئة من كامل القوّة. كما أن العواقب طويلة المدى لخفض قيمة الليرة اللبنانية غير معروفة. وبين تضخم سنوي بلغ 131 في المئة في العام المنتهي في 30 أيلول/سبتمبر 2019، وتقديرات الميزانية على أساس 8500 ليرة للدولار، يُقدِّر تقييم داخلي للجيش اللبناني أن الجيش لن يكون قادر على تحمل الأجور المنتظمة وأجور المقاولين وقطع الغيار لمجموعة المحركات اللوجيستية أو شراء الإمدادات الطبية بعد حزيران/يونيو 2021.

 

أخيرًا، يجب أن يتعامل الجيش اللبناني مع العوامل الخارجية التي تؤثر على تطوير قدراته. بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وطرده عام 2017، شعر شركاء المساعدات الأمنية للجيش اللبناني من الغربيين بشكل أساسي بالإحباط بسبب عدم وجود زخم من قبل الجيش والقوى السياسية في البلاد لتعزيز دور أكبر للجيش اللبناني في الأمن القومي. في غضون ذلك، يرى معظم الناس أن حزب اللّه وسّع استقلاليته الأمنية الوطنية وسلطته السياسية، غالبًا على حساب الجيش اللبناني. أدى وباء فيروس كورونا العالمي إلى تفاقم هذه الاتجاهات من خلال التشديد على ميزانيات المساعدات الخارجية للدول المانحة، ما قد يؤدي إلى خروج لبنان من قائمة الأولويات في وقت تتزايد فيه المنافسة بين القوى العظمى.

طريق مضطرب إلى مستقبل غير مؤكد

في الوقت الذي تستعد فيه قيادة الجيش اللبناني إلى تجهيز خطة تطوير القدرات للفترة الممتدة بين عامي 2023 و2027، ستحتاج هذه القيادة إلى تمكين العسكريين القادرين على تقديم خطة ذات مصداقية وإعطاء الأولوية للموارد المحدودة للحفاظ على القدرات الأساسية الهامة لجيش لبناني محترف، والتخلي عن تلك غير المستدامة أو الطموحة.

سيتعين على الجيش دفع صانعي القرار المدنيين لصياغة حتى العناصر الأساسية لتوجيهات الأمن القومي لدعم التكاليف الحقيقية لصيانة القوّة بعد عام 2021. كما سيتعين على الجيش اللبناني إعادة تنشيط القنوات الحالية التي تهدف إلى تأكيد مشاركة الشركاء الخارجيين. وسيشمل ذلك إلقاء نظرة فاحصة على كيفية مواءمة أهدافه في تطوير القدرات مع مصالح وقيم المانحين الذين كانوا—وسيظلون—ذو أهمية بالغة لمستقبل الجيش على المدى الطويل.


آرام نركيزيان مستشار أول لبرنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية في مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط وزميل أول في كرسي آرلي بيرك للاستراتيجيات في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.


 
آخر التغريدات


تواصل معنا