القوّات شبه العسكرية في مصر
القوّات شبه العسكرية في مصر
11 أيار/مايو 2021
أحمد مولانا

 يرتكز إصلاح الأجهزة الأمنية في مصر على كيفية تأسيس كلٍ من قطاع قوّات الأمن وقطاع قوّات الأمن المركزي ونظامهما وتسليحهما وتدريبهما.

يُصنف التقرير السنوي المعروف باسم التوازن العسكري الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية قطاع قوّات الأمن المركزي المصرية (المعروف باسم الأمن المركزي) والتابع لوزارة الداخلية ضمن القوّات شبه العسكرية، حيث يتلقى عناصره تدريبات عسكرية، مثلما يتلقى ضباط الشرطة العاملون بالأمن المركزي فرقًا تدريبية متخصصة تتضمن إيفادهم لدى القوّات المسلّحة للحصول على تدريبات نوعية. أي أن الأمن المركزي يمثل نموذجًا وسيطًا بين القوّات المسلّحة التي تمتلك أسلحة ثقيلة، وجهاز الشرطة الذي يُوصف بأنه جهاز أمني مدني.

وقد لعب قطاع الأمن المركزي منذ تأسيسه في عام 1969 دورًا بارزًا في التصدي للاحتجاجات الجماهيرية فضلًا عن مساعدته للأجهزة الشرطية الأخرى على أداء مهامها، وهو ما جعل وزير الداخلية السابق اللواء حبيب العادلي يصفه بأنه "الجناح العسكري والقوة الضاربة لهيئة الشرطة." إلا إن العديد من الدراسات التي تتناول الإنفاق العسكري في مصر أو إصلاح أجهزة الأمن لا تفرق بين الأمن المركزي وقطاع قوّات الأمن (المعروف باسم قوّات الأمن) سواء من جهة التبعية الإدارية أو المهام أو التسليح أو الحجم العددي، فتوضح العلاقة بين الأمن المركزي والقوّات المسلّحة من جهة، والازدواجية في مهام الأمن المركزي وقوّات الأمن من جهة أخرى أهمية إصلاح هذين القطاعين بطريقة مدنية واحترافية، إذ أن عدم إدراك الفارق بين الإثنين جعل مطالبات إصلاح الأجهزة الأمنية تركز على الأمن المركزي دون أخذ إصلاح قطاع قوّات الأمن بعين الاعتبار رغم أنه الأكبر حجمًا.

الفوارق بين قوّات الأمن والأمن المركزي

يُجند أفراد الأمن المركزي من بين المواطنين المطلوبين للخدمة العسكرية وفقًا لأحكام القانون رقم 127 لعام 1980 الخاص بالخدمة العسكرية والوطنية، كما يخضع أفراد الأمن المركزي لقانون القضاء العسكري. تتشابه بعض قوّات الأمن والأمن المركزي في تأسيسها لكن تختلفان في عملياتها. تأسس الأمن المركزي في عام 1969 على شكل قوّات شرطية خفيفة الحركة وجيدة التسليح تختص بمواجهة الاضطرابات المحلية. ويرأس الأمن المركزي ضابط شرطة بدرجة مساعد/مساعد أول وزير داخلية. وحسب مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي اللواء أشرف عبد الله بلغ عدد أفراد هذا القطاع بحلول عام 2013 100 ألف مجند و4800 ضابط.

أما قوّات الأمن فتأسست في بداية عهد الرئيس السابق جمال عبد الناصر لحفظ الأمن الداخلي، وهي تتبع في كل محافظة مدير الأمن الذي يتبع بدوره مساعد وزير الداخلية للأمن العام عدا محافظة القاهرة التي يكون مدير أمنها بدرجة مساعد أول لوزير الداخلية، ويتبع الوزير مباشرة.

يختلف تسليح قوّات الأمن عن الأمن المركزي، حيث لا تمتلك قوّات الأمن مدرعات أو أسلحة نوعية وتمتلك فقط أسلحة خفيفة، وتتكون قوّات الأمن من تشكيلات يضم كل تشكيل 3 فصائل بإجمالي 90 مجندًا للتشكيل الواحد، وهي بذلك تختلف عن الأمن المركزي الذي يتشكل من كتائب وسرايا وفصائل في شكل يقترب من البنية التنظيمية للقوّات المسلّحة.

ورغم الفوارق المذكورة يتشابه الأمن المركزي مع قوّات الأمن في طغيان سمة العسكرة عليهما سواء في الرتب العسكرية لضباط الشرطة أو الإقامة في ثكنات ومعسكرات شرطية أو ضم أعداد كبيرة من الشباب المطلوبين للتجنيد بالجيش لأداء خدمتهم بالشرطة لمدة ثلاث سنوات مع خضوعهم لقانون القضاء العسكري. ويلاحظ أن حجم قوّات الأمن أكبر من الأمن المركزي، ففي عام 1986 كشف وزير الداخلية زكي بدر أن تعداد قوّات الأمن بلغ 176 ألف مجند في حين بلغ تعداد الأمن المركزي 106 ألف مجند.

ما بعد ثورة يناير

ساهمت الممارسات الأمنية القمعية في اندلاع أحداث انتفاضة يناير 2011، وكان مطلب حل الأمن المركزي من بين المطالب الثورية التي حولها حقوقيون إلى دعاوى قضائية دون جدوى. فعملية الإصلاح الأمني تتطلب إرادة سياسية لإجراء تغييرات مدنية الطابع بعيدًا عن نزعة عسكرة الشرطة. وقد ساهم إحتواء الهيكل التنظيمي للشرطة على قوّات شبه عسكرية في استنزاف مواردها البشرية والمالية وتجهيزاتها الفنية مما أثر سلبًيا على مدنية واحترافية العمل الأمني.

عمليًا، توجد إزدواجية في مهام الأمن المركزي وقوّات الأمن، حيث تكفي قوّات الأمن بمفردها لحفظ الأمن العام داخليًا بالتوازي مع إلغاء نظام تنسيب المجندين للعمل بوزارة الداخلية وتأسيس تشكيلات شرطية معنية بفض الشغب والتدخل السريع. ويمكن الاستغناء كليًا عن الأمن المركزي أو تخفيض حجمه وإلحاق منتسبيه بوزارة الدفاع مما سيخفف عبء النفقات الاقتصادية الباهظة التي تتطلبها عمليات إدامة وتشغيل الآلاف من مجنديه. فالقوّات شبه العسكرية لا تصلح للتعامل مع المواطنين إنما تتسبب سلوكياتها في تعزيز الاحتقان المجتمعي.


أحمد مولانا هو باحث ماجستير في العلاقات الدولية بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول ومؤلف دراسة "في دهاليز الأمن المركزي (1969‒2011)".


 
آخر التغريدات


تواصل معنا