تطويع النساء في الجيش السوري، حُجّة "وطنية"
تطويع النساء في الجيش السوري، حُجّة "وطنية"
05 تشرين الأول/أكتوبر 2021
محسن المصطفى

بالرغم من مرور 40 عامًا على تطويع النساء في الجيش السوري، إلا أن هذه العملية لم تتقدم كثيرًا، وبقيت في طور احتياج النظام السياسي لها، باعتبارها حُجة وطنية لا حاجة وطنية.

صادف الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2021 ذكرى مرور 40 عامًا على قبول تطويع النساء في الجيش السوري. إن تطويع النساء لم يأتِ من فراغ، ففي سبعينيات القرن الماضي قرر حافظ الأسد فرض لباس موحد على طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، وعُرف لاحقاً بلباس الفتوة العسكري. ثم توسع الأمر بتنفيذ بعض المراحل الدراسية معسكرات تدريبية ودورات قفز مظلي. كما استخدام الأسد سياسة التنميط في أدلجة وقولبة المنظمات الشعبية والطلابية والنقابية عبر فرض عقيدة حزب البعث عليها، ناهيك عن الصبغة العسكرية لمنظمة اتحاد شبيبة الثورة واتحاد الطلبة. كل ذلك هيّأ الأرضية المناسبة للإعلان عن قبول تطويع النساء في الجيش.

قبول تطوع النساء

إن الخدمة العسكرية في سورية ليست إلزامية للنساء كما هو الحال لدى الرجال. وكان قد تم إعلان قبول تطوعهن في الكليات العسكرية لأول مرة من قبل حافظ الأسد خلال خطابه في حفل تخريج الدورة الثالثة مظلات في تشرين الأول/أكتوبر 1981. يُدرك القارئ للخطاب كمية الاحتقان الطائفي الذي كان موجودًا في تلك الفترة، والتصادم ما بين مكونات المجتمع ومعتقداتها المختلفة، وعلى رأسها قضية الحجاب. مُتسلحاً بأدبيات حزب البعث وقضية المرأة، ومتذرعاً بوجودها في كافة وظائف الدولة، أعلن الأسد قبول تطوع النساء في الجيش، وهو يعلم حقاً أن قراره ذاك يناسب فئة معينة من المجتمع والتي سبق لها أن انخرطت في العمل الشبيبي. جاء الإعلان بعد مطالبة بعض المظليات بقبول تطوعهن في الكليات الحربية.

انضمت المتطوعات للتدريب في الكلية الحربية الخاصة بالضباط الذكور خلال عامي 1981 و1987، حتى افتتاح الكلية العسكرية للبنات. لاحقاً تم قبولهن في أكاديمية الأسد للهندسة العسكرية. تطورت عملية التطويع بقبولهن في وحدات أخرى ضمن شروط تطوع واختصاصات محددة كالهندسة والإشارة والمعلوماتية، وتختلف مدّة الدراسة فيها مابين عام لصف الضباط، وثلاثة أعوام لضباط الكلية العسكرية، مقابل خمسة أعوام لخريجات الأكاديمية العسكرية. ولم تظهر أي أدوار قتالية لهن قبل عام 2011.

البيئة القانونية

لا ينظر قانون الخدمة العسكرية بعين التفرقة للنوع الاجتماعي، وكانت كلمة "العسكري" كافية للإشارة للنوع الاجتماعي أينما وردت، بما في ذلك المواضيع المتعلقة بالرواتب وعمليات الترقية والنقل والزواج وغيرها. واقتصر ذِكر تعبير "العسكري الأنثى" على حالات بعينها كموضوع إجازة الأمومة. إلا أن الممارسة مختلفة تمامًا، وبعيدة كل البُعد عن المساواة بين الرجل والمرأة، سواء من ناحية الترقية أو عمليات التعيين أو حتى ممارسة أدوار أمنية. كما أن قانوني الخدمة العسكرية والعقوبات العسكرية لا يشيران إلى مكافحة التمييز أو التحرش الجنسي، ويتم التعامل مع تلك الحالات بسرية تامة وبطريقة محلية داخل الوحدة، وفي بعض الحالات، تُفرض عقوبات تحت بند سوء استخدام السلطة العسكرية، أو إهانة رتبة عسكرية.

بعد عام 2011

حَملت الأحداث في سورية منذ عام 2011 تغيرات كثيرة وعلى كافة المستويات. كان لنقص الموارد البشرية في  الجيش دور في زيادة وتيرة تطويع النساء، وتم تجنيد حوالي 8500 امرأة في تلك الفترة، أغلبهن ضِمن قطاع الدفاع الوطني. مع ذلك، لا تُظهر حفلات التخرج السنوية للضباط النساء - والتي تغطيها وسائل الإعلام - وجود أكثر من 25 ضابط وحوالي 50 صف ضابط، بمقابل تخريج آلاف الضباط وصف الضباط من الذكور. وعليه لا تكاد نسبة النساء للرجال في الجيش تتجاوز 1 في المئة بأفضل الأحوال.

امتدَّ تطويع النساء ليشمل المشاركة بأدوار قتالية، وتم إنشاء كتيبة المغاوير الأولى ضمن الحرس الجمهوري، وشاركت أغلب المتطوعات في بعض المعارك ضد قوّات المعارضة في دمشق وريفها. أدى ذلك إلى مقتل عدد منهن، وتعرض بعضهن للابتزاز الجنسي، مما استدعى طلب المساعدة من الضباط الروس.

في الحقيقة تبدو المشاركة في القتال أقرب إلى دعاية إعلامية لإظهار الجيش السوري بمستوى متقدم من ناحية النوع الاجتماعي، بما يضمن وصول رسائل النظام إلى الدول الغربية، مفادها بأن الجيش متحرر ويحارب الفكر المتشدد والإرهاب. ساعده على ذلك التقاء عدد من وسائل إعلام عالمية بمقاتلات على خطوط القتال ونشر تقارير حولهن.

غياب الاستراتيجية

لا توجد استراتيجية حكومية عامة تراعي عملية التطوع والتقدم المهني. فما زالت الرتب العليا والمناصب المهمة حكرًا على الرجال. ولم تصل إلى رتبة لواء سوى امرأتين فقط في عامي 2015 و2017، تتبع إحداهما لوزارة الداخلية والأخرى لوزارة الدفاع. وأدى غياب الاستراتيجية لبقاء حال النساء في الجيش، كحال الرجال فيه، أداة بيد قيادة النظام السياسي، بعيدة كل البعد عن إطار علاقات عسكرية مدنية متوازنة، واستخدمها النظام كـقوّة ناعمة، يغلب عليها تَسيُد العلويات، في خدمة مصالحه. كما أدى غياب خطة عمل حقيقية لتمكين النساء في المؤسسة العسكرية لحصر الاختصاصات التي يُسمح لهن بالتطوع بها، وبالتالي الحرمان من التقدم المهني والترقية في المناصب الهامة.

حُجّة "وطنية"

استخدم النظام السياسي ـ ومن خلفه حزب البعث ـ قضية المرأة وتطويعها في  الجيش كأداة في خدمة عقيدة سياسية حزبية عصبية متشابكة يصعب الفصل بينها، وقدمها على أنها حاجة وطنية من أجل تمكين المرأة، وأبقى هذه العملية ضمن حدود الحاجة إليها. ما زالت عملية إدماج النساء في الجيش السوري بحاجة إلى إنجاز الكثير على كافة المستويات سواء القانونية أو تلك المتعلقة بالممارسة الفعلية. ويجب العمل على إزالة العقبات أمام تطويع النساء وتقدمهن المهني والسماح لهن بالانخراط بمهام التخطيط والعمليات، وصولًا للتخصصات الدقيقة كالأمن والرقابة وغيرها، على أن يكون كل ما سبق مخرجًا لعلاقات عسكرية مدنية متوازنة، مع مراعاة الثقافة المحلية وقيم المجتمع ككل. هذا بالإضافة إلى تطوير المؤسسات التعليمية والتدريبية، والتشجيع على وجود منظمات مدنية تُعنى بهن، وذلك ضمن أي عملية إصلاح مقبلة قد تشهدها المؤسسة العسكرية. هذا بالطبع إن كان النظام السياسي يريد لهذه العملية أن تكون "وطنية" بحق.


محسن المصطفى باحث مساعد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، يركز على المؤسسة العسكرية السورية والعلاقات العسكرية المدنية.


 
آخر التغريدات


تواصل معنا