إطلاق كتاب: جيوش الجزيرة العربية: السياسة والفعالية العسكرية في الخليج، تأليف زولتان باراني
إطلاق كتاب: جيوش الجزيرة العربية: السياسة والفعالية العسكرية في الخليج، تأليف زولتان باراني
06 كانون الأول/ديسمبر 2021
زولتان باراني

يدرس كتاب جيوش الجزيرة العربية القوّات المسلّحة لدول الخليج الستة ذات الأنظمة الملكية ويشرح فقدانها للفعالية المطلوبة.

يفصل كتابي الجديد—وهو أول كتاب يدرس القوّات المسلّحة لدول الخليج الستة ذات الأنظمة الملكية—عدم فعالية القوّات المسلّحة الخليجية، على الرغم من ضخامة نفقاتها الدفاعية ضمن مجموعة من الأسباب السياسية الهيكلية والاجتماعية والثقافية. توضح هذه المدونة الأسباب الرئيسية لذلك.


الهيكل السياسي ودور المؤسسات العسكرية الخليجية

تتجذر المتغيرات الهيكلية السياسية في الأنظمة السلطوية في شبه الجزيرة العربية. فلا يعتبر الدفاع عن الأمة الوظيفة الرئيسة للمؤسسات العسكرية فيها، وإنما تتركز وظيفتها حول حماية الأنظمة الملكية من التحديات المحلية. تشكل السلطوية عائقًا أمام المؤسسات العسكرية في الخليج، ما يعني أنه في الغالب هناك شخص واحد يتخذ قرارات رئيسة دون قيود أو مشاركة النخبة، ناهيك عن عدم مشاركة المؤسسات التمثيلية. كما تضُر كل من المحسوبية والقبلية بهذه المؤسسات العسكرية، إذ تتعارض هاتين المشكلتين بشكل مباشر مع الركيزة الأساسية للمؤسسات العسكرية الفعالة، ألا وهي الجدارة. كما تنشئ دول الخليج الملكية هيئات عسكرية منافسة لتحقيق التوازن أمام القوّات المسلّحة النظامية—ولضمان منع أو إحباط الانقلابات المحتملة—بحيث تكون اليد العليا لأفراد العائلات المالكة وحلفائهم من القبائل.

ولعل الأهم هو أن العائلات الحاكمة لا تتوقع نشر قوّات مسلّحة قادرة على الدفاع عن بلادها أمام القوّات المسلّحة الأقوى والتابعة لجيرانها الإقليميين. بدلًا من ذلك، تأمل تلك العائلات الحاكمة أن تتمكن قوّاتها المسلّحة من صد أي قوّة غازية محتملة، أو أن تقاوم بعض الشيء لمنع انهيار النظام. في الواقع، إن المدافعون الحقيقيون عن دول الخليج هم القوّات الأمريكية والبريطانية. كما ولا تعتبر الحاجة الإستراتيجية دافع مشترياتهم الواسعة للأسلحة. بدلًا من ذلك، ينبغي النظر إلى مقتنيات الأسلحة على أنها القسط الذي تدفعه حكومات الخليج مقابل بوليصة التأمين التي تضمن استجابة سريعة من الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء إذا دعت الحاجة إلى الدفاع عنها. 

المتغيرات الاجتماعية والثقافية

يعتبر التفضيل المجتمعي للامتثال والطاعة والنفور من التفكير النقدي والمبادرة المستقلة أحد الأسباب الاجتماعية والثقافية لعدم فعالية المؤسسات العسكرية الخليجية. نظرًا لأن الضباط الخليجيين غير معتادين على التقييم المستقل للسيناريوهات البديلة، فإنهم يميلون إلى الأداء السيئ في الأوضاع التي تتطلب مبادرة شخصية أو ينتج عنها مواقف غير متوقعة. هذا بالإضافة إلى غياب المساءلة والنقد المباشرين داخل المؤسسات العسكرية في الجزيرة العربية وهو ما يتعارض مع الفعالية العسكرية. وبذلك نادرًا ما يتم تحميل القادة المسؤولية عن أخطائهم. من المفاهيم ذات الصلة الإعتقاد أن انتقاد شخص ما هو بمثابة إذلال وتشهير. لذلك، مما يجعل تعلم الدروس من الأداء الضعيف أمرًا صعبًا في الغالب. ومن ثم، تضمن وصمة النقد - خاصةً الفردية - تكرار الأخطاء في القوّات المسلّحة.


بغض النظر عن العقيدة، غالبًا ما يتم التقليل من أهمية القدرة الذاتية على الفعل لصالح القضاء والقدر (أي أن الأمور تتم بمشيئة الله) في البيئات العسكرية شديدة التدين. بعبارة أخرى، إنّ الاعتقاد بأن الاستنتاجات محددة سلفًا من قبل قوّة عليا، وأن قدرة الفرد على تشكيل النتائج محدودة أكثر مما هي عليه في الواقع يؤدي أحيانًا إلى أداء دون المستوى .من الصعب تحفيز وإلهام الأثرياء الذين لا يبذلون أي جهد بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه. في العموم، لا يطمح الشباب الأغنياء إلى أن يصبحوا جنودًا عاديين تمامًا كما لا يريدون أن يكونوا عمال نظافة أو حراس ليليين، سواء كان في دول الخليج أو في أي مكان آخر. بالإضافة لعدم مبالاتهم من الناحية المهنية، غالبًا ما يمتلك الجزء الأكبر من العسكريين في الجزيرة العربية حافزًا ضعيفًا. ويرتبط ذلك ارتباطًا مباشرًا بغياب الحافز الملح للتفوق.

الاستنتاجات

قد تؤدي عدة توصيات إلى تحسين كفاءة القوّات المسلّحة الخليجية. يبدأ ذلك بتطبيق هرم منطقي للرتب يسمح بتقاعد العسكريين غير المنتجين الذين قضوا وقتًا طويلاً في الخدمة. يجب أن تكون الخدمة العسكرية مهنة على مدى الحياة فقط للضباط الاستثنائيين. ثانيًا، يجب تقديم حوافز للتفوق، ومكافأة الذين يفخرون بالأداء على مستوى أعلى وفي جميع الرتب. يعني ذلك تحرك نحو قوّات مسلّحة تعتمد فيها الترقية والرواتب والأجور على الجدارة. أما التوصية الثالثة فتتمثل في رفع المكانة المجتمعية للمهنة العسكرية. هذا من شأنه أن يخلق بيئة تعتبر فيها الخدمة العسكرية شرفًا، لا بل وميزة في الحياة المهنية بعدها. رابعًا، يجب البدء بتمكين ضباط الصف من خلال تكليفهم بمسؤولياتٍ جادة وإعطائهم سلطة حقيقية. كما وينبغي التمييز بين ضباط الصف وفقًا للمهارة والاحتراف والأداء، بدلًا من الاعتماد على طول فترة الخدمة كمعيار.

التوصية الخامسة هي زيادة معرفة العسكريين بأفضل القوّات المسلّحة في العالم من خلال الدراسة ونشر القوّات في الخارج، بالإضافة إلى التدريبات المشتركة، وما إلى ذلك. ويتطلب هذا أيضًا إلغاء أو تقليل التدريب في الخارج لأسباب سياسية بحتة. كما يستلزم تقبل فكرة أن الإنجليزية هي لغة التواصل في الشؤون الأمنية، كما هو الحال في المجالات الأخرى، مثل الطيران والتجارة والإنترنت والعلوم. وبالتالي يجب تحسين مهارات اللغة الإنجليزية في سلك الضباط على وجه الخصوص. سادسًا، القيام بالمزيد من التدريبات — في الطقس السيئ وفي ظروفٍ مناوئة، والتمرن على التدريبات التي تفرض تحديات واقعية، والاستعداد للعقبات المتغيرة، والتأكيد على أهمية القدرة على التكيف. أما التوصية السابعة، والأخيرة، فهي ترشيد مقتنيات الأسلحة من خلال شراء ما تحتاجة المؤسسة العسكرية بالفعل لتطوير القوة المنشودة وما تحتاجه للنزاعات التي ستحدث على الأغلب.

وبالطبع، فإن اعتماد هذه التوصيات وتنفيذها الفعال سوف يتشكل من خلال الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية التي تمت مناقشتها أعلاه. في الواقع، تركز الفصول المختلفة في كتاب جيوش الجزيرة العربية على أبعاد مختلفة لموضوع البحث—ويشمل ذلك السياسة العسكرية والجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسة الخارجية والأداء (بما في ذلك تحليل متعدد الأبعاد للحرب الكارثية التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن) — التي تتوافق مع العوامل التي توجه سؤال البحث.


يهتم زولتان باراني - أستاذ العلوم السياسية بجامعة تكساس في أوستن - بشكل رئيس بالسياسة العسكرية والتحول الديمقراطي في جميع أنحاء العالم. إذ قام بتأليف العديد من المنشورات، بما في ذلك ثلاثة كتب تمت ترجمتها إلى اللغة العربية، ألا وهي كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟ وهل الديمقراطية قابلة للتصدير، والجندي والدولة المتغيرة. كما شارك في تحرير عدد من الكتب، منها "إصلاح قطاع الأمن في التحولات الدستورية."


 
آخر التغريدات


تواصل معنا