صورة من أبيرنوز - المشاع الإبداعي
لا يمكن دمج ميليشيا حزب اللّه في صفوف الجيش اللبناني، وذلك بسبب طبيعة حزب اللّه المذهبية وأيديولوجيتة ذات الطابع الإسلامي المتشدد وتدخله الخارجي في اليمن والعراق وسورية، هذا بالإضافة إلى توجهات الجيش وتسليحه الغربي.
برز موضوع دمج حزب اللّه في الجيش اللبناني في مناقشات كثيرة. إذ دعا الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، الذي كان أيضًا قائداً عاماً للجيش، إلى إجراء حوار وطني حول الاستراتيجية العسكرية اللبنانية في عام 2012، مُلمحًا إلى إمكانية هذا الدمج، وإلى اهتمام حزب اللّه بالأمر. في الوقت الراهن، أصبح حزب اللّه القوّة السياسية المُهيمنة في البلاد بحكم الأمر الواقع ومُستندًا إلى ميليشيا قوية، ما يجعل فكرة الدمج أمرًا ساذجًا ووهمي. بالتحديد، إن السعي إلى دمج حزب اللّه في الجيش النظامي في الوقت الحالي أمرٌ يدعو إلى تفكيك ما تبقّى من الدولة اللبنانية الضعيفة، والعودة المُحتملة إلى حربٍ أهليةٍ طائفيةٍ. يعود ذلك إلى حقيقة أن الدولة اللبنانية تُعاني حاليًا من انهيار شبه كامل للمؤسسات السياسية والاقتصادية، إلى جانب طبيعة النسيج المجتمعي للبلاد. ومن الجدير بالذكر أنه لن يتم تفكيك ذراع حزب اللّه العسكري إلا إذا قرّرت قاعدته الشعبية الشيعية أن مُستقبلها يكمن في دولة علمانية يُعاد تشكيلها لتحتكر الوظائف الأمنية، بدلاً من الاعتماد على قوّة عسكرية تولي بجزء من ولائها لإيران.
من الصعب أن نُحصي عدد جنود حزب اللّه أو عدد مُؤيديه القادرين على الخدمة في صُفوفه. هذا بالإضافة لأنصاره وحلفائه من طوائف أخرى، كالسنّة والدروز والمسيحيين. كما وتشكل قدرات الحزب المادية لغزا للمراقبين الخارجيين. لكن، هناك تقديرات من مصادر موثوقة، تشير إلى أنّ عدد مُقاتلي حزب اللّه يتراوح بين 20,000 و30,000، وهو مدعوم بقاعدةٍ شعبيةٍ واسعة. وبالرغم من ذلك، وبغض النظر عن حجم الميليشيا التابعة له، لا يمكن استيعاب هذه المليشيا في صفوف الجيش اللبناني. ويعود ذلك إلى طبيعة حزب اللّه المذهبية، وايديولوجيته الإسلامية شديدة التدين، وتورّطه الخارجي الحالي في اليمن والعراق وسورية. كما ويتعارض هذا الدمج مع توجهات الجيش وتسليحه الغربي.
على الرغم من محاولاته تصنيف نفسه حزبًا شاملاً وحاضناً مُكرَّسا للدفاع عن الوطن فقط، فإنّ حزب اللّه هو قوّة شيعية تعمل حصريًا على تعزيز المصالح الشيعية، مُقابل مصالح الطوائف الأخرى في البلاد. وعلى الرغم من تصرّفه منذ أوائل الثمانينات كحركة مقاومة مُلتزمة – كانت قد ألحقت أضرارًا وخسائر جسيمة بالقوّات الإسرائيلية وأسهمت في إنهاء احتلالها لجنوب لبنان في عام 2000- فقد حافظ على كونه القوّة الشيعة الضاربة في البلاد. ومنذ هجومه العسكري في أيار/مايو 2008 على القوى السياسية اللبنانية الأخرى في بيروت وأماكن أخرى من البلاد، نجح في جعل نفسه- مع حليفته الشيعية، حركة أمل - الحَكَم الأخير في الساحة السياسية اللبنانية. بالتالي، من المُرجّح أن يؤدي دمج حزب اللّه في صفوف الجيش إلى توسيع التأثير السياسي الذي تتمتع به الطائفة الشيعية بشكل كبير مقارنة مع الطوائف الأخرى. مما سيؤدي إلى اختلال، لا رجعَة فيه، في التوازن الطائفي-المؤسساتي الحالي داخل البلاد.
لا يٌخفي حزب اللّه هويته الإسلامية، الشيعية على وجه التحديد، مُعلنًا بذلك ولاءه لمُثُل الثورة الإسلامية الإيرانية. وعلمًا أن الحرس الثوري الإسلامي قام بتشكيل حزب اللّه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ولكون الحزب حركةً سياسيةً وعسكريةً تقودها نخبة دينية، فإنّه بنواياه وأهدافه جزء من القدرات الجيوسياسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وتجسيدًا لأيديولوجيتها. ولهذا تداعيات وخيمة على لبنان، إذ يتعارض ذلك والهدف الرئيس للجيش النظامي اللبناني، المُتمثل في الدفاع عن الأراضي اللبنانية. وإذا تم في يوم من الأيام دمجُ الجناح العسكري لحزب اللّه في هذا الجيش، فهذا يعني إحتواء صفوفه على أعضاء حركة سياسية وميليشيا ملتزمة بمصالح وأولويات السياسة الخارجية التابعة لدولة أخرى على حساب الوطن الذي يدافع عنه هذا الجيش. وبالتالي قد يصبح لبنان في هذا الإطار، رهين ظروفٍ وأوضاعٍ تحدث خارج حدوده. ومن المتوقع أن يدعم أولويات وإختيارات تمليها طهران، بدلاً من بيروت.
كجزء من "محور المقاومة،" وهو مجموعة من الدول والحركات التي تزعم أنها تُحارب الإمبريالية والصهيونية بقيادة إيران، أدّت أجندة حزب اللّه الإقليمية إلى انخراطه في شؤون ونزاعات خارج حدود لبنان. ففي اليمن، مثلاً، يلعب حزب اللّه دورًا في مساعدة الحوثيين في تحدّيهم العسكري للسلطة، وهجماتهم على دول الجوار. بالإضافة إلى ذلك، فإن قادة حزب اللّه على علاقة ممتازة مع الميليشيات والقُوى السياسية المُوالية لإيران في العراق. لكنّ دوره الأبرز كان ولا يزال مُتمثّلا في مشاركته في الحرب الأهلية السورية كقوّة من القوى الداعمة للنظام السوري السياسي الحاكم. في الواقع وفر حزب اللّه دعمًا حاسِمًا لهذا النظام في الأوقات الحَرِجة، ويمكن القول إنه كان من أهم مساعديه على البقاء.
كجهاز من أجهزة الدولة اللبنانية، فإنّ الجيش اللبناني لا يتدخّل خارج حدود لبنان، وهو مُخوّل بالدفاع عن التراب اللبناني فحسب. في المقابل إن حزب اللّه، بتدخلاته الإقليمية، ليس مُستعداً للتخلي عن دوره وسيُلزم الجيش بأجندة خارجية تخُصُّه في حالة دمج قواته في صفوف الجيش. وهذا وضع خطير ولا يمكن تبريره.
لا تزال هناك قضايا جدية تتعلق بتسليح الجيش اللبناني وتدريبه وتمويله. ويمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية هي المُورّد الرئيس لأسلحته، حيث وفّرت حوالي 2.5 مليار دولار من معدّاته ومستلزماته اللوجستية والتدريبات منذ عام 2006. كما تعتبر فرنسا مُوَردٌ آخر، ولكن بكميات محدودة. من جهة أخرى، أمّنت دول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مُساعداتٍ للجيش اللبناني في السابق، لكنها قطعت تلك الإمدادات منذ عام 2016 نظرًا لسياسة لبنان الرامية إلى استرضاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تحت تأثير حزب اللّه.
علاوة على ذلك، يرى معظم داعمي وأنصار الجيش اللبناني حزبَ اللّه على أنه تنظيم إرهابيّ. ومن غير المُرجّح أن يستمروا في تسليح ودعم الجيش اللبناني في حال دمج مقاتلي حزب اللّه في صفوفه. ومن المٌرجّح أن دمج الجناح العسكري لحزب اللّه في صفوف الجيش سيعني التخلي التام عما كان، لفترة طويلةٍ، إحدى ركائز الدولة اللبنانية المعروفة بتوجُّهاتِها الغربيّة.
تَحول هذه العوامل الأربعة الهامة والمُترابطة دون دمج حزب اللّه في صفوف الجيش اللبناني. ربما لا يزال هناك البعض في لبنان ممّن يتمنَّون أن يتمكّن حزب اللّه من تعزيز القدرات والخبرة العسكرية لهذا الجيش. لكن هذه الرغبة في غير محلّها لأن حزب اللّه يطرح نفسه كمُنظمة طائفية وإيديولوجية مَدينة بالفضل لدولة أجنبية، خلافًا لرغبة الغالبية العظمى من الشعب اللبناني.