قياس تأثير الأعمال التجارية للمؤسسة العسكرية المصرية
قياس تأثير الأعمال التجارية للمؤسسة العسكرية المصرية
09 تشرين الثاني/نوفمبر 2021
روبرت كوبينيك

تُظهر البيانات الكمية التي تم جمعها من رجال الأعمال المصريين أن المؤسسة العسكرية المصرية تتمتع بدرجة عالية من الأهمية كمستهلك وكمورّد لأعمالهم التجارية.

تواصل المؤسسة العسكرية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي هيمنتها المتزايدة على المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. على الرغم من أن الحكومات التي تديرها القوّات المسلّحة ليست أمرًا جديدًا في مصر ولا في الشرق الأوسط، يتميز حكام مصر عن غيرهم بالتعايش لنفعي بين الضباط والأنشطة الهادفة للربح. أصف في هذه المدوّنة بحث يعتمد على استبيانات عبر الإنترنت استهدفت رجال الأعمال والمؤسسة العسكرية المصرية من عام 2017 إلى عام 2020، والتي تقدم أدلة إضافية حول تأثير هذه الروابط على الاقتصاد والسياسة في مصر. باختصار، يُظهر استخدام البيانات الكمية التي جُمعت من رجال الأعمال المصريين أن المؤسسة العسكرية المصرية لديها نطاق لافت للنظر من الأنشطة التجارية في مختلف القطاعات، وبمقدار يفوق غيرها من بلدان الشرق الأوسط.

إن معرفتنا عن مشاريع المؤسسة العسكرية المصرية الاقتصادية في تزايد مستمر، وذلك بفضل العمل الجريء الذي يقوم به الصحفيون والباحثون في هذا الصدد، مصحوبًا بتزايد أهمية المؤسسة العسكرية في البلاد. وعلى الرغم من أننا كنا نعلم أن المؤسسة العسكرية كان لديها عدد كبير من الاستثمارات بشكل غير معهود في مجموعة من الأنشطة غير الدفاعية قبل الربيع العربي، إلا أن المقالات المنشورة مؤخرًا من قبل زينب أبو المجد ويزيد صايغ فتحت الباب لفهم كامل للمسار التاريخي لبراعة المؤسسة العسكرية الاقتصادية على المدى الطويل. منذ نظام حكم جمال عبد الناصر (في الفترة الممتدة بين عامي  1956 و1970)، تولى العسكريون في مصر مناصب إدارية في الشركات المملوكة للدولة، والتي غالبًا ما نتج عنها ارتباطات خاصة بعد التقاعد (أو حتى قبل ترك الخدمة). في الوقت نفسه، طورت أذرع المؤسسة العسكرية شبه الحكومية – التي تم إنشاؤها في الأصل لتشجيع الصناعة الدفاعية المحلية – مجموعة غريبة من الصناعات التحويلية وصناعات البنية التحتية. كما وضمنت الحماية من المنافسة الدولية والمحلية، وإمكانية الحصول على الأراضي الحكومية الرخيصة ودعم المواد الخام الكبير مجموعة واسعة من الوظائف المريحة للنخب العسكرية في عام 2020.

بيانات عن التأثير الاقتصادي للمؤسسة العسكرية

أردت من خلال البحث الذي أجريته حول الروابط السياسية لرجال الأعمال في الشرق الأوسط، فهم مدى قوّة تأثير المؤسسة العسكرية المصرية الاقتصادي. إلا أنه من الصعب الحصول على أي أرقام موثوق بها إذ يمكن للمؤسسة العسكرية دائمًا حماية المعلومات "لأسباب تتعلق بالأمن القومي." وبالتالي، قمتُ باستخدام الاستبيانات عبر الإنترنت والتي تم توزيعها على رجال الأعمال في مصر وتونس، حيث طلبتُ منهم ترتيب مورّديهم من مدخلات الإنتاج ومستهلكي منتجاتهم. لقد قمتُ بإضافة الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية إلى جانب خيارات أكثر شيوعًا مثل أسواق التصدير والمستهلكين والشركات المملوكة من قبل الدولة. يُظهر الشكل أدناه بيانات الاستبيان من عام 2017 والتي حسبت من خلالها متوسط ​​الترتيب (حيث أن 1 هو أعلى مرتبة ممكنة) للشركات التابعة للمؤسسة العسكرية والناشطة في مختلف الصناعات. تم تضمين بيانات تونس هنا كمرجع.

متوسط ​​ترتيب الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية من قبل رجال الأعمال المشاركين في الاستبيان


المصدر: روبرت كوبينيك. "الشركات ذات العلاقات السياسية والمجمّع العسكري الزبائني في شمال إفريقيا." سوكاركسيف، 10 يونيو/حزيران 2021 https://osf.io/preprints/socarxiv/mrfcu/ 

غالبًا ما تتم المقارنة بين مصر وتونس، ولكن لاحظ المراقبون أن المؤسسة العسكرية المصرية تتمتع بمستوى أكبر من التأثير في السياسة. يُظهر الشكل أعلاه متوسط ​​ترتيب المشاركين في الاستبيان كنقاط، ويُظهر النطاق المعقول للقيمة (بسبب هامش  الغموض في أخذ العينات) كخطوط أفقية. غالبًا ما تكون المؤسسة العسكرية مورّدًا (الجانب الأيمن) أو مستهلكًا (الجانب الأيسر) أكثر أهمية للشركات في مصر (النقطة الخضراء) منها في تونس (المثلث البرتقالي). كما ويحظى قطاع التعدين في مصر بأقوى حضور للمؤسسة العسكرية، حيث تحتل المرتبة الثالثة بين أهم مورّدي ومستهلكي الشركات. كما أن لها حضورًا واسعًا في قطاعي الإنشاءات والزراعة كعميل وكمورّد، إلا دورها كعميل أكثر أهمية. أما في قطاع الخدمات، فإن ثقل المؤسسة العسكرية المصرية أقل نسبيًا، ولكنها ذات حضور ضخم في هذا القطاع مقارنةً بنظيرتها في تونس.

وكما ذكر يزيد صايغ، عند الحديث عن احتساب غالبية الناتج المحلي الإجمالي، لا تهيمن المؤسسة العسكرية المصرية على الاقتصاد بأكمله. حيث لازالت الجهات الاقتصادية التقليدية – مثل المستهلكين وأسواق التصدير – أكثر أهمية للنشاطات التجارية المصرية، وهو أمر متوقع. ومع ذلك، في الوقت نفسه، إن مشاركة الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية في الاقتصاد أوسع بكثير من الدول المماثلة. إذ وصل هذا التدخل إلى مستوى مرتفع إلى درجة كافية ليتم قياسه فقط من خلال إزاحة هذه الشركات للأعمال التجارية الخاصة والمؤسسات المملوكة من قبل الدولة كموردين ومستهلكين. علاوة على ذلك، يمكن ملاحظة هذا التدخل في قطاعات قد لا نتوقعها بناءً على الاحتياجات الدفاع وحدها، مثل الزراعة واالقطاعين المالي والخدماتي. 

تابعتُ هذا البحث باستبيان آخر استهدف العسكريين المصريين بشكل مباشر، وكان ذلك جزء من مشروع بحثي أكبر مع شاران جريوال. على الرغم من أنه لا يمكن التحقق من صحة الإجابات بشكل كامل بسبب مخاوف تتعلق بالسرية، أعتقد أن هذه المعلومات هي من أفضل الأدلة التي تم جمعها مباشرة من العسكريين. شارك في هذا الاستبيان 1,314 عسكري، أفاد 496 منهم أنهم في رتبة أعلى من العريف. وأفاد ما يقرب من 14 في المئة من هؤلاء المشاركين أنهم يقضون بعض الوقت على الأقل في العمل في شركة تابعة للمؤسسة العسكرية، وهو ما يمثل في المتوسط ​​24 في المئة من يوم عملهم. كما سألناهم عن خطط التقاعد الخاصة بهم. بالنسبة للضباط من رتبة ملازم ثاني وما فوق، أفاد 30 في المئة عن رغبتهم في العمل في شركة تابعة للمؤسسة العسكرية. في المقابل يرغب 21 في المئة منهم في العمل في الحكومة و25 في المئة في شركة خاصة. بناء على ذلك، في حين أن هذه الشركات قد لا تهيمن على النشاط الاقتصادي في البلاد، فمن الواضح أنها تشكل حافزًا شائعًا وقويًا بين الضباط المصريين لدعم النظام.

التداعيات 

إن لاستيلاء المؤسسة العسكرية المصرية المتزايد على الأنشطة الاقتصادية عواقب على التنمية الاقتصادية وبقاء النظام. كما وإن تعميق اندماج الشركات التابعة للمؤسسة العسكرية فيما كان سابقًا علاقات عادية نسبيًا مع المستهلكين والموردين يعني أن المعاملات الاقتصادية التي كانت بعيدة عن السياسية سابقًا تتطلب الآن قبولًا من النظام، وبشكل متزايد .خلال البحث الميداني الذي قمتُ به في مصر عام 2016، أوضح صاحب مصنع كان قد شارك سابقًا في سياسة الأحزاب أنه لم يعد قادرًا على الاستمرار في هذه المشاركة لأن إمدادات مصنعه جاءت من شركة تابعة للمؤسسة العسكرية، إذ لا يمكنه جني الأرباح بدون تلك الإمدادات. نتيجة لذلك، على الرغم من أن نظام الرئيس السيسي لم يفِ إلى حد كبير بالوعود حول إنعاش الاقتصاد، يواجه رجال الأعمال عواقب وخيمة إن اختاروا دعم خيار بديل، أو حتى انتقاد سياساته علنًا. وفي ظل معاناة الاستثمار والنمو الاقتصادي، يساعد تضييق الخناق على النخب الغير مرتبطة بالنظام السيسي في الحفاظ على سلطته وقمع المعارضة.

يعكف روبرت كوبينك، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية بجامعة نيويورك بأبوظبي، على تأليف كتاب عن تأثير المصالح التجارية القوية على التحول الديمقراطي في مصر وتونس. ظهرت كتاباته حول الاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط، وخاصة في تونس ومصر، مؤخرًا في مجلّات عدة، منها التحليل السياسي والعلوم الاجتماعية الفصلية.

 

 



 
آخر التغريدات


تواصل معنا