موجب الدستور، لا يخضع مشروع مُوازنة الدفاع للمراجعة من قبل أي سُلطة مدنية عدا مجلس الدفاع الوطني الذي يرأسه رئيسُ الجمهورية. بالإضافة إلى ذلك، تُسيطر وزارة الدفاع والهيئات العسكرية الأخرى على صناديق مالية تقديريّةٍ كبيرة لا تخضعُ بدورها للرقابة المدنية، كما أن الشركات العسكرية مُعْفاةٌ من هذه الرقابة في الغالب. ويمنع الاطّلاع العلني على الحسابات المالية لأي من هذه الجهات، ويقتصر تداول أو مُناقشة المعلومات ذاتِ الصلة على البيانات الصادرة في التصريحات الرسمية فحسب.
إن المواردَ المالية المُتاحةَ كافيةٌ لتلبية احتياجات القوّات المسلّحة بفضل التمويلِ العسكري الأجنبي من الولايات المتحدة الأميركية، والذي يُغطّي جُزءًا كبيرًا من الاحتياجات على مُستوى التجهيزات العسكرية. وتُغطّي الأنشطة العسكرية المُستقلّة المُدرّة للدّخل بعض النفقات الرأسمالية والصيانة على الأقلّ، وربَما تُستخدم للمُساعدة في تمويل استيراد الأسلحة الرئيسة الجديدة من دولٍ أخرى. ويُخوَّل للمؤسسة العسكرية اتّخاذ القرارات الاقتصادية والقيام بالاستثمارات التجارية دون موافقة أو حتى استشارة مُسْبقة من السُلطات المدنية ذات الصلة.
وتحوم الشكوك حول الجدوى الاقتصادية للانخراط العسكري في الأشغال والعقود العامة المُموّلة من قبل الحكومة والنشاطات الاقتصادية العسكرية، حيث أنه من شبه المؤكد أن خزينة الدولة تتكبَّد عبْئًا ثقيلًا خفيًّا. وباستثناء مسك الدفاتر الأساسية من قبل وزارة المالية، لا تخضع الحساباتُ والأصولُ العسكرية للمُراجعة والتدقيق المالي الخارجي من قبل أيّة هيئةٍ مدنيةٍ. وبالرغم من وجود قواعدَ ولوائحَ مالية تحكمُ العقود وإدارة الأصول، لكن التعتيم الشامل والسُلطات التقديرية الواسعة تُعرّض قطاع الدفاع لخطرِ الفساد الشديد. ويُمنع حصول الجهات العمومية على المعلومات المالية الخاصّة بقطاع الدفاع ومناقشتها، منعًا باتًا.
يتمّ تطوير ميزانيات الهيئات الحكومية المدنية من خلال عمليات روتينية تنطوي على درجة كبيرة من الشفافية والتشاور، مع مُناقشاتٍ حول الميزانية السنوية وقيام وزارة المالية بنشر الميزانياتِ النهائية المُعتمدة. في المُقابل، يتمّ إعداد وتطبيق ميزانية الدفاع بالكامل داخل وزارة الدفاع، دون مُشاركة الهيئات الحكومية الأخرى. ولا يوجد إشراف مدني عليها تقريبًا: إذْ يقوم مجلس الدفاع الوطني، ومعظم أعضائه من الضباط في الخدمة الفعليّة، بمُراجعة مشروع موازنة الدفاع بحضور الوزراء المعنيّين ورئيسي لجنتيْ الميزانية والدفاع الوطني والأمن في مجلس النواب، وثم يُصادقُ مجلس النواب على ميزانية الدفاع كبندٍ واحدٍ ضمن الميزانية العامة للدولة. كما أن المصادر الأخرى لتمويل الدفاع، كالمُساعدات العسكرية الأجنبية والدخل من النشاطات الاقتصادية العسكرية، ليست مُدرجةً في ميزانية الدفاع ولا يتم إبلاغ السُلطات المدنية بشروطها المالية. وبدلًا من ذلك، يتم إدارتُها ومُراقبتُها حصريًا من قبل وزارة الدفاع، بعلمٍ من رئيس الجمهورية.
ويسمحُ القانون للقوّات المسلّحة الاحتفاظ بالفوائض وفوائدها في صناديق مالية "خاصّة" والتي يُمكن إيداعها في بنوك القطاع العام أو الخاص أو استثمارها في المشاريع التجارية التي تنتقيها المؤسسة العسكرية. وتُعفى جميع حسابات وأصول وعمليات الهيئات العسكرية من التدقيق من طرف هيئاتِ الدولة ذات الاختصاص (باستثناءٍ جُزئيٍّ لخطوط الإنتاج المدنية التابعة لوزارة الإنتاج الحربي). أما أقوى هيئة تدقيق، وهي هيئة الرقابة الإدارية، فيرأسها ويعمل فيها ضُباط عاملين في الخدمة العسكرية ومُتقاعدين، ممّا يضع المؤسسة العسكرية في منأى من المُراجعة المالية.
ونظرا للإعفاء من التدقيق المحاسبي والإطار القانوني الذي يسمح بسريًة العقود والمُزايدة غير التنافسية، فإن الأدوات الإجرائية المتوفرة غيرُ كافيةٍ لمنع تفاقم مخاطر الفساد. ولم يُناقش مجلس النواب الميزانية العسكرية منذ عام 1990، على الرغم من مُطالبته بالمُوافقة على بنود كالزيادات في الرواتب والمعاشات دون معرفة مبالغها الأساسية. ولا يزال الحظر الرسمي المعمول به منذ عام 1967 على قيام وسائل الإعلام بنشر المعلومات المُتعلّقة بشؤون الدفاع ساريًا، ويُستخدم لمنع المُناقشة العلنية حولها. كما تتعرض منظمات المُجتمع المدني أو المُؤسّسات البحثية التي تطلب المعلومات إلى مضاعفات.
تمتلك المؤسسة العسكرية عددًا كبيرًا من الشركات المُسجّلة رسميًا والعاملة في مروحة مُتنوّعة من الأنشطة التجارية، وتلتزم بحجم كبير جدًا من الأشغال والعقود العامة المُمَوّلة من الحكومة. ولا تخضع الشركات والهيئات التابعة لوزارة الدفاع وإدارات القوّات المسلّحة المشاركةِ في مثل هذه الأنشطة لنفس الالتزامات القانونية والمُتطلَبات المالية كُنظرائها المدنيين في قطاعي الأعمال العام أو الخاص.
وتُسجّل الشركات التابعة لوزارة الإنتاج الحربي كجزء من قطاع الأعمال العام، وتزعم أنها تمتثل لقواعد التأمين الاجتماعي والصحّة والسلامة وتشريعات التدقيق المالي المُتعلّقة بإنتاج السلع والخدمات غير الدفاعية، مع إشارتها إلى اعتبارات الأمن القومي لتطبيق قيود مُعيّنة على موظّفيها المدنيين ولتجنب الإفصاحِ عن أمورها المالية. كما لا تخضع الأسهم التي تملكها المؤسسة العسكرية في الشركات المدنية وفي المشاريع المُشتركة مع الشركات المحلية والأجنبية إلى مُتطلبات التبليغ أو التدقيق المالي، كما ولا تخضع المؤسسة العسكرية لاختصاص المحكمة المدنية فيما يتعلّق بهذه الأصول.
وينطبق الأمر ذاته على هيئات وزارة الدفاع المُفوّضة قانونيًا بإدارة الموارد الطبيعية وباستغلالها التجاري. وتحتفظ المؤسسة العسكرية بجميع الإيرادات والأرباحِ الخارجة عن الميزانية، بما في ذلك تلك المُتأتّية من الخدمات أو عقود الدعم كإزالة الألغام والنقل والتخليص الجمرُكيّ بالموانئ ومهام حفظ السلام تحت إشراف الأمم المتحدة. كما يُمكن ترحيل الخسائر وحتى نفقات الاستثمار إلى خزينة الدولة. وتتصرّف المؤسسة العسكرية في أموالها بالكامل حسب تقديرها الخاص أو بناءً على طلب من رئيس الجمهورية، لتقديم المنافع والعلاوات وزيادات الرواتب للعاملين في الخدمة الفعليّة، وتتبرّع لهيئاتٍ عامة مُختارةٍ، ولتعلن عن هدايا من المواد الغذائية أو الأجهزة المنزلية للفئاتِ ذات الدّخل المحدود. وتُشير العديد من الأدلّة المرويّة إلى أن الضباط العسكريين والمُتعهدين المدنيين يُشاركون على نطاق واسع في النشاطات الاقتصادية غير المُصرّح بها، وفي العقود المُزيّفة وأخذ العمولات، وأن القادة يغُضُّون النظر عن هذه الممارسات أو يُشاركون فيها.
لا تلعب السُلطات المدنية أي دور في تحديد سياسة الدفاع أو احتياجاته وليست مُخوّلةً أو مُجهّزةً لضمان ملاءمة هذه المسائل والموارد الوطنية المُتاحة. ويتمّ تحديد سياسة الدفاع واحتياجاته من قبل المؤسسة العسكرية نفسها بالتشاور مع رئيس الجمهورية، الذي كان دومًا ضابطًا عسكريًا سابقًا منذ إنشاء الجمهورية عام 1953 (باستثناء فترة مدنية فاصلة بين 2012 و2013). ومن الناحيةِ المؤسساتيةِ، يُوقِّع مجلس الدفاع الوطني على مشروع موارنة الدفاع، ولكن ليس لديه تفويض رسمي لرصدِ الموارد أو المداخيل المُتأتّيةِ من خارج الميزانية.
وتقوم الهيئات الحكومية ذات الصلة، وخاصّة وزارة المالية ومجلس النواب، بالمصادقة النمطية دون تمحيص على موازنة الدفاع وعلى الزيادات الإضافية التي تطلبها المؤسسة العسكرية أو رئيس الجمهورية لاحقًا. إن المُخصصات المالية للدفاع كافية لتغطية الرواتب وبنود النفقات المُتكرّرة، ولكن هناك نفقات كبيرة تتم تغطيتها بطرق أخرى. وتندرج المعاشاتُ العسكرية ضمن ميزانية الدولة، فيما تُغطي المُساعدة العسكرية الأجنبية الجزء الأكبر من تكاليفِ الواردات الدفاعية، وتُموِّل الأنشطة العسكرية المُدرّة للدخل التحسيناتٍ على مُستوى المزايا المالية للضباط والتدريب والاستثمار الرأسمالي.
ومرّة أخرى، لا تلعبُ السُلطات المدنية أي دورٍ في تخطيط أو تخصيص أو مراقبة أي من هذه المواردِ. وعُمومًا يواكب سُلَّم الرواتبُ والمعاشاتُ التقاعدية الأساسية للعسكريين، نظيره المدني في جهاز الدولة، وإن كان ذلك ينطلقُ من مُستوى أوّلي أعلى إلى حدّ ما. ومع ذلك، فإن الحزمة المالية الإجمالية للعسكريين، وخاصّة الضباط، هي أكبر بكثير بفضل علاوات ومنافع الخدمة الإضافية، والتي يُحتَسَب بعضها ضمن معاشات التقاعُد، والحصول على السلع الاستهلاكية المدعومة وبدائل السكن والمكافآت غير المالية كالرعاية الصحية. وتُنشر القوانين التي تَحْكُم الرواتب وقواعد احتسابِ المعاشات التقاعدية، لكن سُلّم الرواتب الفعليّ هو سرّ رسميّ لا يجوز مُناقشته من قبل مجلسي الشعب أو الوزراء. إن العقود الرئيسة لشراء الأسلحة والأشكال الأخرى من المُساعدة العسكرية الأجنبية يحدّدها مزيج من احتياجات الدفاع الفعلية والاعتبارات الجيوسياسية، علمًا أنه من المعروف أن الضباط المسؤولين عن إصدار العقود يتقاضون عمولات غير مشروعة مقابل ذلك.
س1 - عملية وضع الموازنة
|
س2 - الدخل من خارج الميزانية
|
س3 - كفاية الموارد
|