إن التقييم الاحترافي للاحتياجات الدفاعية هو العامل الرئيسي في تشكيل التنظيمِ والكفاءةِ العملياتية للقوّات المسلحة. وتزايدت متانة التنسيقُ مع السُلطات المدنية والتخطيط الدفاعي بفضل المُساعدة الخارجية. إن المؤسسة العسكرية مُلتزَمَةٌ بأخلاقيّاتٍ مهنيّةٍ تُؤكّد الحِياد السياسي والمعايير الأخلاقية أو القانونية. ويتميَّز نظام القضاء العسكري عن نظام القضاء المدني، ولكن ترد التقارير من حينٍ لآخر عن مُحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية وعن الإنفاذٍ غير المنتظَم لقواعد الاشتباك. إن نظام التعليم العسكري متينٌ، ويُنظر إليه على كونه مفتاح النجاح لتحقيق الارتقاء المهني للضباط وترسيخِ قيمِ احترام السُلطة المدنية.
لا تمنعُ القوّات المسلّحة مُشاركة السُلطات المدنية في إدارة تطوير القُدرات العسكرية، ولكن هناك القليل فقط من المدنيين المُؤهلين للقيام بذلك. ونظريًا، يُمكِّن مجلس الأمن القومي المُراجعات المشتركة للتهديدات والاستجابات العسكرية، لكنهُ يفتقِرُ إلى مُراجعةٍ دفاعيةٍ استراتيجيةٍ تستند إلى مجموعة من الوثائق الأساسية التي يتمّ على أساسها إجراء التقييمات، كما يفتقر إلى كادرٍ مدني لإجراء هذه المراجعة. إن احتياجات الدفاع هي العامل الرئيس في تخطيط وإدارة القدرات العسكرية، ولا تلعب السياسة سوى دورٍ محدودٍ في ذلك.
للروابطِ الشخصية والعائلية والجماعية تأثيرٌ محدودٌ فحسب أو مُنعدمٌ على القيادة والسيطرة داخل القوّات المسلّحة، علمًا أن العلاقات التوجيهية تُعزّز الروابط الشخصية داخل المؤسسة العسكرية ومن شأنها أن تُؤثّر على الترقيات. وتُشكّل كلٌّ من الحرس الوطني وإدارة أمن رئيس الجمهورية بشكلٍ مُستقلّ، وهُما لا يندرجان تحت تسلسل القيادة العسكرية. تلقّيا تدريباتٍ وتجهيزاتٍ أفضل قبل عام 2011، ولكن أصبحت هذه الفروقات أقلّ أهمية منذ ذلك الوقت، وصار دور كل منهما بالعلاقة مع القوّات المسلّحة، أكثر وضوحًا. تُركِّزُ هيكلية تسلسل القيادة العسكرية غالبًا على الاحتياجاتِ الدفاعية، لكن القوّات المسلّحة تفتقر إلى رئيس أركان يُنسِّقُ بين جيوش البر والبحر والجو (حسب تسمية أفرع القوّات المسلّحة في تونس). وقد يعود ذلك لكونِ السُلطات المدنية تخشى مركزة القيادة بين يدي ضابطٍ عسكري واحدٍ.
ولقد تمت مأسَسَة نظام إدارة التنسيب والموارد البشرية منذ بعضِ الوقتِ، ولكن عبء التجنيد يقعُ عمومًا على عاتق المناطق الداخلية الفقيرة، إلّا أن عمليّتي التنسيب والترقية أكثر شفافية وفعالية في صفوف الضباط وضباط الصفّ من غيرهم. ويوُضح تاريخ طويل من التعامل مع الشركاء الدوليّين في الوظائف والقدرات المؤسساتية كالتخطيط والإشراف والتقييم وإدارة البيانات، إلى أن قطاع الدفاع مُنفتحٌ على المشورة الأجنبية.
تتمتّع القوّات المسلّحة بهُويةٍ مؤسساتيةٍ قويةٍ ومُتماسكةٍ يُمكن الاعتماد عليها، وباستقلاليةٍ عن التأثيرات خارج تسلسل قيادتها الرسمية. ومع ذلك، يخشى كبارُ القادة من أن الانخراط في مهام الأمن الداخلي يُمكن أن يُقوّض التماسُكَ في صفوف القوّات المسلّحة. يجب أن تكون الأوامر شرعية في منظور القوّات المسلّحة، ويستند ذلك أساسا إلى المعايير الأخلاقية أو القانونية كالدفاع عن الدولة، والحياد السياسيِّ، والالتزامِ بالأنظمة. ولا تشمل الأوامر الشرعية، حسب هذا المنظور، الدفاع عن قادةٍ أو أحزابٍ سياسيةٍ أو فئات اجتماعيةٍ مُعينةٍ.
وللجدارةِ الاحترافية وقع كبير في تعيينات القادة وترقياتِ الضباط، خاصّة في الرتب دون العميد، بينما تتناقص أهمية الانتماءاتُ العشائريةُ أو الجهوية. ونادرًا ما تُؤثّرُ الولاءاتُ المُوازية على التراتبية الهرمية العسكرية الرسمية، والتي يتم التقيُّد بها وبانتظام. وعلى الرغم من وجود تصوّرات بالتحيُّز أو عدم المُساواةِ في الرواتب والترقيات والتكليف بالمهامّ، لكنها لا تشمل الاعتقاد بأن العوامل الاجتماعية أو الدينية أو السياسية لها تأثير في ذلك.
ترى القوّات المسلّحة عُمومًا أن رؤساء الجمهورية ووزراء الدفاع أكفّاء ووطنيون ويستحقّون الطاعةَ، وتتبع أوامر السلطات المدنية عمومًا، حتى في حالات افتقارها إلى الخبرة العسكرية. وكثيرًا ما يرى المنتسبون وضباط الصفّ أن ظروف العمل الخاصّة بهم غير عادلة مُقارنةً بتلك الموجودة في الخدمة المدنية، وغير تنافسية إلى حدّ ما مع تلك التي تخُصُّ المدنيين عامةً. ويعملُ مُقدّمو المُساعدة العسكرية الأجنبية جاهدين على تعزيز احترافية المؤسسة العسكرية، كما أن الضبّاط التونسيين الذين يتلقّون التدريب والتعليم الأجنبي يميلون أكثر إلى اعتبار أنفسهم ذو احترافية أعلى.
يُوضّحُ دستورُ عام 2014 أن المحاكم العسكرية تتعامل فقط مع المخالفات العسكرية التي يرتكبُها العاملين في الخدمة، وتتمّ المُحافظة على هذا الفصل في الاختصاص بالممارسة الفعليّة. ومع ذلك، لم يُعدّل مجلس نواب الشعب بعدُ قانون القضاءِ العسكري لفصل المدنيين من سلطة المحاكم العسكرية، التي اسُتخدمت في السابق لاستهداف المُعارضينَ السياسيينَ، وإن تراجع هذا السلوك أكثر فأكثر منذ عام 2011. كما تتعامل المحاكمُ العسكرية مع القضايا المُتعلّقة بالإرهاب أو التهديدات المُرتبطة بأمن الدّولة، حتى لو كان المُدّعَى عليهم مدنيين. ويخضعُ العسكريين للمحاكمِ المدنية عند قيامهم بانتهاكاتٍ للقانون المدني خارج أوقات الخدمة.
إن القُضاة العسكريون مُستقلّون عن مسؤوليهم العسكريين ولا يخضعون إلاّ لسيادة القانون وتحكيم ضمائرهم، ولكن لا يتوفّر سوى مجال ضئيل للقيام بالمُراجعة القضائية ويميلُ القُضاة العسكريون إلى التحفّظ تجاه وضع معايير جديدة. إن قواعد الاشتباك مُوثّقة بوضوح ويتم تلقينها أثناء التدريبِ، لكن إنفاذها ليس صارمًا، ترد تقارير متفرّقة عن إطلاق النار على المُهرّبين أو المُتظاهرين دون عواقب. وتفتخر المؤسسة العسكرية بالانضباط والوطنية والالتزام بالقوانين. وتستند الضوابطُ القانونية المُتعلّقة بالحرب إلى القانون الدولي، وتُدرَّسُ في المدارس العسكرية، ويتمّ التقيُّد بها عُمومًا في الممارسة، ولكن لا تتوفر السُبُل الكافية لضمان اتباع المؤسسة العسكرية للمُعاهدات والاتفاقيات الدولية أثناء القيام بالعمليات.
هذا، ويُنسِّق الهلالُ الأحمر التونسي مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتزويد القوّات المسلّحة بالتدريب في مجال القانون الإنساني الدولي، لكن التأثيرَ العملي لذلك غيرُ واضحٍ. ولقد عزّز مقدّمو المساعدة العسكرية الأجانب، عُمومًا، التزامَ المؤسسة العسكرية بحقوق الإنسان وغيرها من مدونات السلوك القانونية أو قواعد الاشتباك. ومع ذلك، يُركّزُ بعضُ مقدّمي المُساعدة العسكرية الأجانب على هذه المبادئ فقط في برامج التدريب والتعليم التي تفوقُ مدتها بضعةَ أسابيعَ.
تحدّدُ الجدارة عمومًا القبول في المدارس العسكرية. في الماضي، كان للعلاقات الشخصية أو غيرها من الروابط الاجتماعية تأثيرًا، ولكن تضاءل هذا منذ عام 2011. ويعتقد الضُباط أن التعليم العسكري هو أحد أهمّ طُرق تحقيق الارتقاءِ المهني، ويستثمرون وقتًا وجهدًا كبيرين في الحصول على الشهادات اللاّزمة للترقية أو للتكليفات المرغوبة. تُخصِّص القوّات المسلّحة قدرًا كبيرًا من مواردها المحدودة للتعليم، ويوجد جدولًا صارمًا للبرامج التعليمية للمُستويات الأساسية، والمُتخصّصة والمتقدمة، وكذلك الأركان والكُليّة الحربية والمُستوى الاستراتيجي التي تحدِّد الأهلية للحصول على الترقية. ويتلقّى مُعظمُ الضباط شكلًا من أشكال التعليم العسكري الأجنبي، في الولايات المتّحدة وفرنسا بالدرجة الأولى.
إن نظام التعليم العسكري يُعزّز السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية من خلال ترسيخ ثقافة احترام المدنيين والسلطة المدنية، خاصّة في كُليّة الأركان. ويتميّزُ الضباط وضباط الصفّ على حدٍّ سواء بعملهم الجادّ ومعرفتهم التي تعود إلى نظامٍ فعّالٍ للتعليم العسكري، ممّا يساهم في تكوين هُويّة المؤسسة العسكرية وحِسِّ الضبّاط بالهُويّة الاحترافية. ويُقدّم العاملون في وزارة الدفاع معظم دورات التعليم العسكري، لكن المهندسين والفنيين المدنيين يٌدرّسونَ في المدارس الفنية ومراكز التدريب العسكرية. كما يُقدّم خُبراءُ مدنيون تونسيون وأجانب دوراتٍ في معهد الدفاع الوطني، التي يحضُرُها ضبّاطٌ من القوّات المسلّحة وكبار مُوظّفي الخدمة المدنية.
وقد تُوفّر الدورات المُقدّمة للمُنتسبين مهاراتٍ فنية يمكن استخدامها في الشغُل المدني، ولكن ينطبق هذا بقدر أقل تعليم الضباط. وبالرغم من ذلك، فإن الجودة العامّة للتعليم العسكري تُمكّن العديد من الضباط وضباط الصفّ من العمل في القطاعات المدنية في تونس وفي الخارج إثرَ مُغادرةِ الخدمة العسكرية.
س1 - الكفاءات العسكرية
|
س2 - الأخلاقيات المؤسساتية
|
س3 - القضاء العسكري
|
س4 - التعليم العسكري
|