الموجزات القُطريّة
تونس
البيانات الأساسية


عدد السكان
11,694,719
(2019)
المصدر: البنك الدولي
الناتج المحلي الإجمالي
بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي
$38 مليار
(2019)
المصدر: البنك الدولي
العِبء العسكري
2.20%
(2017)
المصدر: U.S.
Department of State
نسبة العسكريين
إلى القوى العاملة
1.20%
(2017)
المصدر: U.S.
Department of State
قادة الدولة
ذوو خلفية عسكرية
1 من 6
(حتى 2020)
باستثناء التعيينات المؤقتة
 
إجمالي عدد العسكريين
في الخدمة
بيانات 2020 | المصدر: International Institute for Strategic Studies
السياق

تتميّزُ العلاقات العسكرية المدنية التونسية بالاستقرار. لقد جاء الاستقلالُ نتيجة للنضال السياسي لا العسكري، وتميزت العلاقات الخارجية بطابعٍ سلميٍ نسبيًّا منذ ذلك الحين. وباستثناء صدامٍ دمويٍ قصيرٍ مع فرنسا للسيطرة على قاعدة بنزرت البحرية عام 1961، لم تنخرط تونس في نزاعٍ عسكريٍ مع دول أخرى. إن تونس دولة صديقةٌ للغرب، ويتدرّب الضباط التونسيون في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. كما أن توجُّهَ السياسة الخارجية التونسية لا يزيد من الأهمية السياسية للقوّات المسلّحة.

حافظت القوّات المسلّحة التونسية (التسمية الرسمية) على الحياد السياسي. وعادت إلى الثكنات بعد مواجهةٍ مع مُتمردين مدعومين من ليبيا في قفصة عام 1980 وكذلك إثر حملة الهجمات الإرهابية التي أعقبت الانتقال الديمقراطي عام 2011. ويُضمر الضباط التونسيون حِسًّا استثنائيًّا ضد القيام بالانقلابات. ويعود ذلك إلى حدٍّ كبير إلى الدور الهامشي للقوّات المسلّحة في صعود الرئيس المؤسس للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة.

تطرحُ الديناميات السياسية الداخلية والخارجية تحدياتٍ أمام استقرار العلاقات العسكرية المدنية التونسية. فيستمرّ تمرُّد للجماعات الإسلامية في المناطق الحدودية الغربية بالقرب من جبل الشعانبي منذ سنواتٍ. كما أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة تُولّد توتُّراتٍ سياسية وتُهدّد بفقدان الثقة في الديمقراطية، ويتضح ذلك من أن تونس كانت أكبر مُصدّرٍ للجهاديّين إلى سورية بعد عام 2011.

أما في المجال الخارجي، كانت ليبيا مصدر قلقٍ دائم لتونس، لا سيّما منذ عام 2014، مع توسع رُقعة التهريب عبر الحدود وزيادة خطر استخدام الأسلحة الذي من شأنه أن يُهدّد الاستقرار التونسي. ودفعت هذه الديناميات السياسية الداخلية والخارجية إلى زيادة كبيرة في حجم المُساعدات الأمنية المقدّمة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا منذ عام 2011، ممّا أدّى إلى دعمٍ خارجيٍ غير مسبوقٍ ولكن حسب أولويات الجهات المانحة في أجندتين رئيستين: مُكافحة الإرهاب والسيطرة على الهجرة غير الشرعية.

النقاط الرئيسة

  • تعمل القوّات المسلّحة التونسية، حصريًّا، تحت سيطرة القادة السياسيين المدنيين، مؤكدة على تقسيم واضح للعمل مع قوى الأمن الداخلي وعلى القيم المهنية التي تعزّز تلك السيطرة.

  • لا تتدخّل القوّات المسلّحة في الشؤون السياسية، وهو موقِفٌ تُعزّزه التقاليد الجمهورية الداعيةُ إلى التحصُّن ضدّ الانقلابات، والتعيينات القيادية غير المُسيسة إلى حد كبير، والانفتاح على المناقشة العلنية لشؤون الدفاع.

  • ينظر التونسيون إلى المؤسسة العسكرية على كونها ذات تأثير إيجابي في بناء الوطن، لكن ينظر للقوّات المسلّحة أيضًا بأنها تعاني من المحسوبية الإقليمية ومن انخفاض الامتثال للتجنيد.

  • زادت الشفافية المالية لقطاع الدفاع بشكلٍ ملحوظٍ منذ عام 2011، كما أن مخاطر الفساد منخفضة حسب معايير المنطقة، ولا تتدخّلُ المؤسسة العسكرية في وضع السياسة الاقتصادية الوطنية.

  • يُقلّل إرث التحصين ضد الانقلابات في الفترة قبل عام 2011 من قُدرة القوّات المسلّحة على أداء مُهمّتها الدفاعية الوطنية الأساسية، علماً أنها قد خطت خطواتٍ كبرى في مجالات التخطيط والموارد وإدارة الموارد البشرية.

هيكل الدفاع
الاستقرار المؤسساتي

لا يُحدّد الدستور التونسي وضعًا خاصًا للقوّات المسلّحة، ولكنه يمنح الدولة وحدها الحقّ في إنشاء مؤسسةٍ عسكريةٍ ويفرضُ على المؤسسة العسكرية أن تبقى مُحايدةً سياسيًّا. وبموجب القانون والمُمارسة المُترسّخة، تخضعُ المؤسسة العسكرية التونسية بالكامل إلى سيطرة السُلطة التنفيذية. ولا تخضع القوّات المسلّحة إلى أي سُلطةٍ غير رسمية أو حزبٍ سياسي. كما أنها لا تقوم بمهامٍّ مُوازيةٍ مُخالفةٍ للمهامّ المُوكلة إليها. ولا تعمل القوّات المسلّحة التونسية كفاعلٍ سياسي خارج عن السيطرة، ولا يوجد دليلٌ على أن ميزانيتها سريّة أو أنها تتسبّبُ في بثّ خلافاتٍ في العلاقات بين القادة المدنيين والعسكريين.

إن السلطات المدنية المُشكلّة قانونيًّا -رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ووزير الدفاع- هي التي تقود القوّات المسلّحة. لا يُشاركُ قادة القوّات المسلّحة التونسية في الحياة السياسية، فيما يضع القادة المدنيون، بقيادة رئيس الجمهورية، سياسة الدولة الدفاعية، بينما يتشاورون مع القوّات المسلّحة التونسية في الشؤون الفنية. المؤسسة العسكرية ليست صانعة قرار سياسي في حدّ ذاتها، ووزير الدفاع دائمًا ما يكون من صفوف المدنيين.

 
وثائق قانونية أساسية

لقد أُنشِئَ مجلس الأمن القومي عام 1990 وأعيدت هيكلتُه عام 2017، ويجتمع كل ثلاثة أشهر على الأقل لمُناقشة الشؤون الأمنية الوطنية. يترأّس المجلس رئيس الجمهورية، الذي يتمتّع بسُلطة عقد المجلس كلما دعت الحاجة، ويتكوّن من رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والعدل والشؤون الخارجية والمالية ورئيس مجلس نواب الشعب أيضًا. كما يجوز للمجلس دعوة ضباط القوّات المسلّحة التونسية لحضور الاجتماعات، لكنهُ ليس مُلزمًا بذلك قانونيًّا.

لم تنشر تونس حتى الآن استراتيجية للأمن القومي، وذلك بسبب عدم وجود وثائق أساسية تستند إليها التقييمات الاستراتيجية، والاعتماد المفرط على التفاعلات غير الرسمية في صُنع القرار، ونُقص الخبرة في صفوف المدنيين لإجراء المراجعات الاستراتيجية. كما تفتقر القوّات المسلّحة التونسية إلى رئيس أركانٍ للتنسيق بين الأفرع المُختلفة. إن هذه الجوانب المُختلّة في التخطيط الدفاعي التونسي من شأنها أن تُضعف القُدرة على تحديد ومعالجة الاحتياجات الدفاعية.

لا تتدخلُ القوّات المسلّحة التونسية في عمل السُلطات المدنية. فهي لا تلعب أي دورٍ في المسائل المُتعلقة باقتصاد الدولة، ولا تدل التقارير على تجاوزٍ أو صراع بين المحاكم العسكرية ونظيراتها المدنية. إن أدوار كل من القوّات المسلّحة وقوى الأمن الداخلي الخاضعة لسيطرة وزارة الداخلية واضحة. وتقع مهمة مكافحة الإرهاب على عاتق وزارة الداخلية وفرقة مجابهة الارهاب، بينما تسند القوّات المسلّحة هذه المهام. إن التنسيق فعال في الحد من ازدواجية وهدر الجهود، وقد عزّز عمليات مُكافحة التمرد على الحدود الغربية مع الجزائر وجهود مُكافحة الإرهاب في المناطق الداخلية من البلاد.

النظام السياسي

وقع الحرب الأهلية الليبية
لطالما أثّرت التهديدات القادمة من ليبيا على تصوُّر القوات المسلحة التونسية للتهديدات وعلى تطوير قوتها العسكرية. وحفّزت حادثة قفصة في عام 1981 عملية التحديث العسكري، عندما قامت ليبيا بتمويل وتدريب محاولة مسلحة للسيطرة على بلدة تونسية عُرفت بثرواتها المنجمية. وأدّى التركيز المُتجدّد على احتواء الآثار غير المباشرة للنزاع المسلح في ليبيا منذ عام 2011، كالتهريب والإرهاب، إلى تشديد المراقبة الحدودية، ممّا دفعَ القوات المسلحة التونسية للقيام بأدوار شرطة الحدود وإنفاذ القانون، وهي أدوار لم تكن مُستعدّة لها من حيث العقيدة العسكرية والتدريب.

وقد كشف هذا الدور المُكثَّف على الحدود، أيضًا، النقاب بشدّة عن المشاكل المُزمنة منذ فترة طويلةٍ والتي تتعلّق بمشاركة المعلومات وعدم التعارض في المصالح بين القوات المسلحة التونسية وأجهزة وزارة الداخلية، ولا سيّما الحرس الوطني، وهو أهم قوة شرطية في البلاد. لقد أقنعت عمليات القوات المسلحة الحدودية العديد من كبار الضباط بأن المؤسسة العسكرية لا ينبغي أن تكون الوسيلة الوحيدة، أو حتى الأساسية، لمواجهة التحدّيات العابرة للحدود والقادمة من ليبيا. وبدلًا من ذلك، فهم يُؤكّدون أن البلاد بحاجةٍ إلى سياسةٍ شاملةٍ للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والاندماج السياسي.

إن المجموعة المُتنوّعة من التهديدات القادمة من ليبيا تفرض على المؤسسة العسكرية التونسية الاختيار فيما يتعلَّق بمقتنياتها المُستقبلية، من أجل مواجهة التهديدات المتدنية الكثافة وغير المتكافئة كالإرهاب والتهريب، بالإضافة إلى التهديدات المُتطوّرة كالطائرات دون طيارين والطائرات ذات الأجنحة الثابتة التي ظهرت بعد اندلاع الحرب الأهلية في منطقة طرابلس في عام 2019. غير أن عملية التخطيط والموازنة، التي تتم بمشاركة المدنيين وتحت إشرافهم، لا تزال متعثّرة بسبب نقص القُدّرات والحواجز البيروقراطية وانعدام الثقة بين لجان الرقابة البرلمانية من جهة والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى.

ويضغط تدويل الحرب الليبية على سياسة الحياد التونسية والوقوف على مسافة متساوية من أطراف النزاع الليبي، كما يزيد أيضًا من حدّة التفسُّخ بين النخب التونسية، بما في ذلك الضباط، إزاء دعم الأطراف المتخاصمة في ذلك النزاع. وظلّت المؤسسة العسكرية التونسية مُتحفِّظة وغير مُساندة لأي طرف من هذه الأطراف بشكل يُثير الإعجاب، علمًا بأنّها قد تتعرّض لضُغوطاتٍ مُتزايدة نظرًا للتدخُّل المتزايد من قبل تركيا والإمارات العربية المُتّحدة.

لا تنخرط القوّات المسلّحة التونسية في الشؤون السياسية. ويرى الضباط ذلك بمثابة تقليد جمهوري تشكّل فور حصول تونس على استقلالها من فرنسا عام 1956. ولم يكن الضباط مُطالبين بالانضمام إلى الحزب الدستوري الحر الحاكم وحرِموا من التصويت. وكلا الرئيسين، المؤسس الزعيم الحبيب بورقيبة وخليفُته السابق زين العابدين بن علي، اعتمدا على وزارة الداخلية بدلًا من القوّات المسلّحة في مجابهة خُصومهما السياسيين. ويفُسر هذا، إلى حدٍ كبيرٍ، سبب عدم دعم القوّات المسلّحة التونسية لـ بن علي في الأزمة التي أثارتها احتجاجات عامي 2010 و2011، وسبب بقائها مُحايدةً في مرحلة الانتقال الديمقراطي ما بعد عام 2011.

ولا تدين المؤسسة العسكرية لحزبٍ أو عقيدةٍ أو نخبةٍ حاكمةٍ معينةٍ. إنها تنتمي للدولة وبالتالي الى المواطنين، وتُنفّذ الأوامر التي تتلقّاها طالما أنها قانونية. سبق أن انتشرت القوّات المسلّحة خلال "أحداث الخُبز" في المناطق الحضرية أواخر عام 1983 وأوائل عام 1984 وردًّا على "أحداث الحوض المنجميّ" في قفصة في عام 2008. وأطاعت القوّات المسلّحة التونسية أوامر بن علي بالانتشار خلال انتفاضة عام 2011، ولم تطلق خلالها النار على المدنيين. وقد أُمرت القوّات المسلّحة التونسية، منذ ذلك الحين، بإسناد عمليات وزارة الداخلية ضدّ الخلايا الإرهابية في المناطق الحدودية الغربية للبلاد. ويعتبر الضباط، الآن كما آنذاك، أن دورهم في مثل هذه المواقف ليس متحزّبًا.

قبل عام 2011، كان عددُ الضباط من منطقة الساحل التونسي، مسقط رأس بورقيبة وبن علي، يفوق بشكل غير متكافئ عدد الضباط من المناطق الأخرى، لكن هذا لم يجعل الضباط أعضاء أساسيّين في النُخبة الحاكمة. ولم يلعب الضباط القادمون من مناطق الساحل دورًا رئيسًا في اختيار بورقيبة وبن علي، اللذين عملا على التحصين ضد الانقلاب أثناء حكمهم. لم تَرْعَ أجهزة الدولة ميليشيات أو قوّات مسلّحة موازية خارج تسلسل القيادة العسكري، لكن اعتمد بورقيبة على الشرطة وحزبه الحاكم كركيزتين أساسيّتين لفرض حُكمه، بينما عزّز بن علي انعدام الثقة بين أجهزة الأمن الداخلي والاستخبارات والمؤسسة العسكرية لتعزيز قبضته على السلطة. لقد تحسّنت العلاقاتُ بين المؤسسة العسكرية وتلك الأجهزة تدريجيًّا منذ عام 2011، خاصّة في التعاون على مجابهة الإرهاب والتمرّد الإسلاميين.

إن التعيينات القيادية في المؤسسة العسكرية ليست مُسيّسة بشكلٍ مُبالغ فيه. يتمّ اختيار كبار الضباط العسكريين وفقًا للمعايير المهنية، وهُم عُمومًا مُدرّبون جيّدًا وذوو كفاءةٍ عاليةٍ. كما أن القوّات المسلّحة التونسية ليست مُنقسّمةٍ على أساسٍ عقائدي أو جماعي. ويُكرّس نظام التعليم العسكري الإشراف المدني والطاعة للسُلطة القانونية. ويلتحق العديد من الضباط التونسيين بالمعاهد العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، لكن الحكومات الأجنبية لا تُؤثّر على تعيينات الضباط أو قرارات أخرى تخُص العاملين في القوّات المسلّحة التونسية. وبالرغم من ذلك، سعت الحكومات الغربية للتأثير على عمليات التخطيط الاستراتيجي وتطوير القُدرات العسكرية.

مشاركة القوات المسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي
فيسبوك
الإعجابات
43,814
المتابعين
44,541
يتَحدّثون عن هذا
520
(تموز/يوليو 2020) | المصادر: Social Blade, Foller.me, Ninjalitics
لا يُعيَّن الضباط العسكريون التونسيون المتقاعدون في مناصب عُليا في الجهاز البيروقراطي للدولة أو في المؤسسات الاقتصادية، ولا توجد قطاعاتٌ بيروقراطيةٌ أو اقتصاديةٌ تمّت عسكرتُها. هذا، ولا تمنع القوّات المسلّحة التونسية المناقشة العلنية للشؤون العسكرية أو لميزانية الدفاع. ويرى المواطنون عُمومًا أن القوّات المسلّحة مُحايدةٌ سياسيًّا.

 
بناء الوطن والمواطنة

استخدمت تونس التجنيد منذ الاستقلال كوسيلة لتعزيز أواصر المواطنة والوحدة الوطنية في صفوف الشباب التونسي، مع توفير احتياجات الدفاع الوطني. من الناحية النظرية، يخضع جميع الرجال القادرين والمؤهلين للخدمة العسكرية الإلزامية لمدة عام عند بُلوغهم سنّ العشرين. لكن في الواقع يتجنّب الآلاف التجنيد. ففي عام 2017، تم تجنيد 506 فقط من بين 31000 شخص مُؤهّلين، مما يُشير إلى أن تأثير القوّات المسلّحة التونسية على بناء الوطن وترسيخ قيم المُواطنة من خلال الخدمة العسكرية الإلزامية أمرٌ مُبالغ فيه.

ويميلُ الضباط إلى أن يكونوا محبي الثقافة والحضارة الفرنسية ومُعادين للإسلام السياسي، وأن يُعبِّروا عن تفضيلهم للعلمانية والتحديث وتحرر المرأة وتحرير المُمارسات الاجتماعية. إن الإسلاميّين مُمَثّلُونَ بشكلٍ ضعيفٍ في المؤسسة العسكرية. وبالمثل، فإن المنتسبين من المناطق الجنوبية والداخلية من البلاد، الذين يميلون إلى النظرة المحافظة أكثر، يُشكّلون أغلبية شريحة المنتسبين وضباط الصف المتعاقدين، ولكن تمثيلهُم ضعيفٌ في سلك الضباط، الذي يُفضّل القادمين من منطقة الساحل.

لكن هذا التوازن بدأ يتغير منذ عام 2011. في السابق، جاء حوالي 40 بالمئة من الضباط المُعيّنين في المجلس الأعلى للجيوش وحوالي 70 بالمئة من التعيينات في رُتب عقيد وما فوق من منطقة الساحل، التي تُمثّل 24 بالمئة من عدد سكان تونس. وعدلت قيادة القوّات المسلّحة التونسية في عام 2013 لتشمل المزيد من الضباط القادمين من المناطق الداخلية. وفي عام 2015 تعهُد رئيس الجمهورية بمواصلة الحد من تفضيل منطقة الساحل على بقية المناطق.

وتعد مهنة الضابط العسكري مرغوبة لتحقيق المكانة الاجتماعية والحوافز المادية التي تُوفّرها. كما أن الشغل كمنتسب مرغوب فيه في المناطق المحرومة اقتصاديًا، الداخلية والجنوبية منها. ونادرًا ما يرتبط كبار الضباط بقضايا الفساد أو الاستفادة من العلاقات السياسية. يُنظر إلى القوّات المسلّحة التونسية على أنها تمتثلُ لسيادة القانون، بدلا من حماية نُخبةٍ سياسيةٍ أو طبقةٍ اجتماعيةٍ مُعيّنةٍ. ويُنظر لها على أنها أظهرت تقبَلها للإصلاح والرقابة المدنية بعد الانتقال الديمقراطي عام 2011.

تحظى القوّات المسلّحة التونسية بشعبيةٍ حتى بين سكان المناطق منقوصة التمثيل عادةً في سلك الضباط، ويرجع ذلك جزئيّا إلى مشاريع التنمية الاقتصادية التي تقوم بها القوّات المسلّحة، خاصة في المناطق النائية من البلاد. قامت القوّات المسلّحة التونسية بإنشاءِ شبكةٍ من الطرق التي تربط بين العديد من المدن الجنوبية، كما تُجري عمليات استصلاح الأراضي وصيانة البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، ممّا يُساهم في دعم صورتها كقوّة عسكرية يملكها المواطنون. كما يُؤثر أداء القوّات المسلّحة التونسية في مُكافحة الإرهاب وحفظ السلام ومُجابهة الكوارث إيجابيًّا على الرأي العام. أصبحت مُناقشة الشؤون الدفاعية في صفوف المدنيين ووسائل الإعلام أكثر انفتاحًا منذ عام 2011. لكن الافتقار إلى عقيدةٍ للتعاون العسكري المدني أو وحداتٍ خاصة بذلك، يعُوق قدرة القوّات المسلّحة التونسية على التأثير في بناء الوطن.

التزمت القوّات المسلّحة رسميًّا بتجنيد النساء ودمجهنّ. لكن يبدو أنها تفتقرُ إلى خُطّةٍ رسميّةٍ لتحقيق ذلك، باستثناء بعض المناقشات حول توسيع نطاق التجنيد ليشمل النساء. وتُمثّل النساء سبعة بالمئة من العسكريين في القوّات المسلّحة التونسية. ولم ترتق أي امرأة في المؤسسة العسكرية إلى رتبة عميد وما فوق، ولم يتم تكليفهُنّ بالعمل في الوحدات القتالية. لكن تشغل النساء وظائف عسكرية في مجالات مُتنوّعة أخرى كالاتصالات والهندسة والشرطة العسكرية والاستشعار عن بُعد والنقل الجوي (بالطائرات الثابتة الجناحين والمروحية).

العسكريون في الخدمة مقابل القوى العاملة
الميزانية والاقتصاد

تُنشر ميزانية الدفاع كجُزءٍ من ميزانية الدولة السنوية. ويُتاح الاطلاع عليها وعلى تفاصيلها وتخضع للمناقشة العلنية. وازداد التدقيق البرلماني لميزانية الدفاع بعد عام 2011، خاصّة بعد نشر الدستور الجديد في عام 2014. إن هذه الآليات المؤسساتية فعّالة في المصادقة على ميزانيات الدفاع، لكنها ذات فعاليّة محدودة في تحديد الاحتياجات الدفاعية الحقيقية والتوجُّهات الاستراتيجية. لهذا السبب ولمحدودية إجمالي الموارد الوطنية، يبدو أن تمويل الدفاع غير كاف.

تعمل القوّات المسلّحة التونسية مع الشركاء الأجانب والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام في سياسة انفتاح فعلية لمُناقشة تمويل الدفاع، لكن تفتقرُ المنظمات المحلية، عمومًا، إلى الخبرة اللاّزمة لمُتابعة البرامج الدفاعية وبالتالي فهي نادرًا ما تُخضِع الإنفاق الدفاعي إلى المساءلة.

ومع ذلك، لا تُخفي القوّات المسلّحة التونسية موارد مالية. إن الاحتياجات الدفاعية هي العامل الحاسم في التفاوض على مشتريات الأسلحة والمساعدات العسكرية الأجنبية. وتوافق الحكومة على المساعدات العسكرية الأجنبية، التي تُكمل بشكلٍ هام ميزانية الدفاع. ولقد ضاعفت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتها العسكرية لتونس ثلاث أضعاف في عام 2015. كما وقدمت الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة، مساعداتٍ لمُكافحة الإرهاب وتطوير قدرات مراقبة ووقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين.

وبالتوازي، زاد الإنفاق على الدفاع. وقد انخرطت المؤسسة العسكرية، بشكلٍ مُتزايدٍ، في عمليات مُكافحة الإرهاب إلى جانب الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى منذ عام 2011، خاصّة بعد أن قتل مسلحون إسلاميون، كانوا قد تسلّلوا من ليبيا، 54 شخصا في بلدة بن قردان الحُدودية في آذار/مارس 2016. لعبت القوّات المسلّحة التونسية دورًا مركزيًّا في استعادة السيطرة على البلدة، وزادت الحكومة التونسية إثر ذلك إنفاقات الدفاع بشكلٍ كبيرٍ، للسماح للمؤسسة العسكرية بالحصول على طائرات مروحية وصواريخ ورشاشات التي تحتاجها بشدّة. وبلغ الإنفاق على الدفاع الوطني ذُروتهُ بعد ذلك بعامٍ، ليبلغ 2.35 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، لكنه انخفض قليلًا منذُ ذلك الحين.

لا تُسيطر المؤسسة العسكرية على حصة مهمّة من الاقتصاد، ممّا يُقلّل من المشاكل المُتعلّقة بالفساد وشُبهاتِه. أجرت الحكومات المُتعاقبة تحقيقاتٍ حول قضايا فساد وأمَرَت بالقبض على ضباطٍ في الشرطة ومسؤولي جمارك ورجال أعمال، لكن لم يظهر أن القوّات المسلّحة التونسية مُتورّطة في توليد مداخيل مالية غير مشروعة. وترفع القوّات المسلّحة التونسية تقارير حول جميع الإيرادات المُتأتّية من أنشطتها الاقتصادية المحدودة إلى السُلطات المدنية، التي لديها سُبُل ناجعة وفاعلة في تصرُّفها للتعامل مع مخاطر الفساد في مجال المقتنيات الدفاعية.

لا تتدخل المؤسسة العسكرية في وضع السياسة الاقتصادية الوطنية. ولا يضغط ضباط القوّات المسلّحة التونسية على الحكومة للحصول على موارد مادية. وعلى الرغم من الزيادات إثر هجوم بن قردان، إلا أن ميزانية الدفاع بقيت في حدود مليار دولار سنويًا (عدا المساعدات الخارجية)، وهو مبلغ غير مبالغ فيه بالنظر إلى البيئة الأمنية المُضطربة لتونس، نظرًا إلى انتشار الإرهاب في الداخل والحرب الأهلية المستمرة في ليبيا المجاورة. وتُوفّر القوّات المسلّحة التونسيُة، أيضًا، فرص عمل بشكل منتظم لـ 35000 عسكري، وهو أمر هام خصوصًا للطبقات ذوي الدخل المنخفض التي تعيش في المناطق الداخلية والجنوبية من البلاد. إن التمثيل المُفرط لهذه المناطق بين ضباط الصف والمنتسبين يعني أن الراتب العسكري يحمي العديد من العائلات من العيش تحت خطّ الفقر.

 
الإنفاق الدفاعي والناتج المحلي الإجمالي
الدفاع الوطني

تأثير المساعدة الأمنية الأمريكية
ركّزت المساعدة الأمنية الأمريكية منذ عام 2011، وخاصّة منذ عام 2015، على مكافحة الإرهاب والأمن الحُدودي والشؤون اللوجستية والتنسيق الجوي-الأرضي والاستخبارات. لقد أُنجزَ الكثيرُ من هذا الدعم من خلال برامج التدريب والتجهيز والتعليم العسكري الاحترافي والتدريبات المشتركة، حيث تدرك وزارة الدفاع الأمريكية أهمية تحسين العلاقات العسكرية المدنية التونسية ومراقبة المدنيين المنتخبين على عمليات وضع موازنة المؤسسة العسكرية وعلى الاقتناء والتخطيط. قدّمت هيئات متنوعة أمريكية هذا الدعم، لكن النتائج كانت مُتفاوتةً بسبب القيود الأمريكية على ما يُمكن تمويله وعوامل أخرى مثل البناء المُجتَزَأ في الجانب التونسي ومعاناته من عدم الثقة والسرية المفرطة.

حاولت جامعة الدفاع الوطني الأمريكية تعزيز علاقاتٍ عسكريةٍ مدنيةٍ أفضل من خلال استضافة بعثاتٍ سنويةٍ من معهد الدفاع الوطني التونسي، الذي يقدِّم مساق دراساتٍ عسكريةٍ عُليا، يهدف إلى كسر الحواجز المؤسساتية بين كبار الموظفين المدنيين والضباط. وساعدت الجامعة المعهد على صياغة مسودّة "كتاب أبيض" حول شؤون الدفاع، لكنّها لم تُؤد إلى مُراجعةٍ استراتيجيةٍ أشمل. وبالمِثل، سعت مُبادرة بناء القُدّرات المؤسساتية إلى رعاية جهد التخطيط الاستراتيجي التونسي، لكن انهارت المبادرة بسبب عدم تبنيّها من قِبل قيادات في وزارة الدفاع التونسية وبسبب تبدُّل العاملين المدنيين في الوزارة. وقد أدرك المشاركون في هذا الجهد أهمية دعم وتعزيز الشفافية والثقة بين المؤسسة العسكرية ومجلس نواب الشعب. لكن تحقيق ذلك صعبٌ، ولم يتمّ التعامل معه على أنّه أولويةً.

في أوائل عام 2020، تمّت المُوافقة على برنامج لإلحاق مستشارين أمريكيين بوزارة الدفاع التونسية، حيث من شأن التواصل اليومي وجهًا لوجه أن يبني ثقافة الانفتاح والثقة، كما ستساعد الولايات المتحدة على تشكيل العلاقات العسكرية المدنية التونسية. لكن تمّ تعليق هذا البرنامج، الذي كان من شأنه أن يعالج احتياجات التخطيط الاستراتيجي ونقص القُدّرات المؤسساتية الأخرى، بسبب القيود المفروضة بحكم انتشار جائحة فيروس كورونا.

يُعبّر ضباط القوّات المسلّحة التونسية عن إحباطهم لأن المدنيين لا يُدركون قدرات واحتياجات المؤسسة العسكرية. وباستثناء مجالي الميزانية والتمويل، يفتقرُ المحترفون المدنيون إلى المعرفة والفهم للمُساهمة بانتظام في صياغة السياسات الدفاعية والإشراف على قطاع الدفاع وإدارته ودعمه. إنما نقص خبرة المدنيين في شؤون الدفاع في تحسّن تدريجي، نتيجة لدورات الدفاع الوطني التي تُؤهّل الضباط العسكريين والمسؤولين المدنيين على حد سواء.

قبل الانتقال الديمقراطي لعام 2011، قَوَّضت ديناميّات التحصين ضد الانقلاب قُدرة القوّات المسلّحة التونسية على إنجاز مهمّتها الدفاعية الأساسية بكفاءةٍ. وكانت السلطات السياسية المُتَشكِّكة والأجهزة الاستخباراتية الموجودة في كل مكان تعمل على عدم التقاء الضباط في المجالات الاجتماعية، كما فاقت موارد الأمن الرئاسي ووزارة الداخلية بفارق كبير موارد المؤسسة العسكرية. كما وجّهت المرحلة الانتقالية لعام 2011 ضربةً قاسيةً لخُصوم المؤسسة العسكرية، وطوّرت الحكومات المُتعاقبة فيما بعد المرحلة الانتقالية من قدرات القوّات المسلّحة التونسية في مكافحة الإرهاب وأداء دورها الدفاعي الأساسي. لكن تواجه القوّات المسلّحة ثغرات مستمرة في الموارد وتنمية القدرات والتخطيط الاستراتيجي وصنع القرار في مجال الأمن القومي.

إن قطاع الدفاع التونسي مفتوح لمُقدمي المُساعدة العسكرية الخارجية الذين يدعمون الوظائف والقدرات المؤسساتية في مجالات كالمقتنيات والتخطيط الدفاعي طويل الأجل ومُكافحة التطرف. في عام 2015، صنّفت الولايات المتحدة تونس كحليفٍ رئيسٍ من خارج حلف شمال الأطلسي ممّا أتاح المزيد من الموارد لتطوير القُدرات العسكرية. وقّعت تونس عشر اتفاقيّات مع الولايات المتحدة لتزويد القوّات المسلّحة بمعدّات عسكرية مُتطوّرة، بما في ذلك مروحيّات "بلاك هوك" ومساعدات أخرى تزيد قيمتها عن 142 مليون دولار أمريكي. وفي عامي 2019 و 2020، اشترت تونس طائرات ومعدّات متصلة من الولايات المتحدة بقيمة تزيد عن 550 مليون دولار. كما أن التعاون العسكري مُستمرُّ مع المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وحليف تونس التقليدي، فرنسا.

بدأت القوّات المسلّحة التونسية في توسيع مجال الأدوار المُتاحة للمرأة وتعديل سياسات التدريب والموارد البشرية لاستيعاب الكادر النسائي. ولا تشغل النساء في تونس مناصب عسكرية عُليا، لكن تبنّت تونس في عام 2018 خُطّة عمل وطنية للمساواة الجندرية، وباتت أربعين امرأة تتولى قيادة الطائرات المقاتلة. كما عدّلت القوّات المسلّحة التونسية وكيّفت لوائحها وأنظِمتها وبرامجها التدريبية ومَرافِقها لإدماج النساء، وفي المقام الأول في معاهد التدريب العسكري وفي القوّات البحرية والجوية.

بدأت القوّات المسلّحة التونسية تُدرك، شيئًا فشيئًا، الحاجة إلى توظيف الخبرات المدنية وتنميتها. فتعتمد المؤسسة العسكرية على الخُبراء المدنيين لتدريب العسكريين على جمع البيانات ومُعالجتِها واستخدامها. كما تعتمد على أقسام تكنولوجيا المعلومات ومراكز المُحاكاة لدعم عمليات التخطيط واتّخاذ القرار. وبالرغم من ذلك، لا تزال تميل إلى الاستعانة بالخُبراء المدنيين بشكل أكبر في المجالات الفنية كالإدارة المالية وتكنولوجيا المعلومات، مُقارنةً بمجالاتِ التعليم العسكري والتخطيط الاستراتيجي والمقتنيات والاستخبارات. ليس لدى المؤسسة العسكرية برامج مُحدّدة أو تخطيط مُنسق لتطوير الخِبرات المدنية، ولا توظّف الخبراء المدنيين إلا عندما تنشأ الحاجة إلى ذلك.

واردات الأسلحة
ملاحظة: وحدة قيمة مؤشر الاتجاه هي وحدة قياس طورها معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) لحساب حجم عمليات النقل الدولية للأسلحة التقليدية الرئيسية. وهي لا تمثل الأسعار الفعلية ولا يمكن مقارنتها مباشرة بأرقام الناتج المحلي الإجمالي أو الإنفاق العسكري.
المصدر: SIPRI
 
آخر التغريدات


تواصل معنا