تُنشر ميزانية الدفاع كجُزءٍ من ميزانية الدولة السنوية. ويُتاح الاطلاع عليها وعلى تفاصيلها وتخضع للمناقشة العلنية. وازداد التدقيق البرلماني لميزانية الدفاع بعد عام 2011، خاصّة بعد نشر الدستور الجديد في عام 2014. إن هذه الآليات المؤسساتية فعّالة في المصادقة على ميزانيات الدفاع، لكنها ذات فعاليّة محدودة في تحديد الاحتياجات الدفاعية الحقيقية والتوجُّهات الاستراتيجية. لهذا السبب ولمحدودية إجمالي الموارد الوطنية، يبدو أن تمويل الدفاع غير كاف.
تعمل القوّات المسلّحة التونسية مع الشركاء الأجانب والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام في سياسة انفتاح فعلية لمُناقشة تمويل الدفاع، لكن تفتقرُ المنظمات المحلية، عمومًا، إلى الخبرة اللاّزمة لمُتابعة البرامج الدفاعية وبالتالي فهي نادرًا ما تُخضِع الإنفاق الدفاعي إلى المساءلة.
ومع ذلك، لا تُخفي القوّات المسلّحة التونسية موارد مالية. إن الاحتياجات الدفاعية هي العامل الحاسم في التفاوض على مشتريات الأسلحة والمساعدات العسكرية الأجنبية. وتوافق الحكومة على المساعدات العسكرية الأجنبية، التي تُكمل بشكلٍ هام ميزانية الدفاع. ولقد ضاعفت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتها العسكرية لتونس ثلاث أضعاف في عام 2015. كما وقدمت الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي، بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة، مساعداتٍ لمُكافحة الإرهاب وتطوير قدرات مراقبة ووقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
وبالتوازي، زاد الإنفاق على الدفاع. وقد انخرطت المؤسسة العسكرية، بشكلٍ مُتزايدٍ، في عمليات مُكافحة الإرهاب إلى جانب الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى منذ عام 2011، خاصّة بعد أن قتل مسلحون إسلاميون، كانوا قد تسلّلوا من ليبيا، 54 شخصا في بلدة بن قردان الحُدودية في آذار/مارس 2016. لعبت القوّات المسلّحة التونسية دورًا مركزيًّا في استعادة السيطرة على البلدة، وزادت الحكومة التونسية إثر ذلك إنفاقات الدفاع بشكلٍ كبيرٍ، للسماح للمؤسسة العسكرية بالحصول على طائرات مروحية وصواريخ ورشاشات التي تحتاجها بشدّة. وبلغ الإنفاق على الدفاع الوطني ذُروتهُ بعد ذلك بعامٍ، ليبلغ 2.35 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، لكنه انخفض قليلًا منذُ ذلك الحين.
لا تُسيطر المؤسسة العسكرية على حصة مهمّة من الاقتصاد، ممّا يُقلّل من المشاكل المُتعلّقة بالفساد وشُبهاتِه. أجرت الحكومات المُتعاقبة تحقيقاتٍ حول قضايا فساد وأمَرَت بالقبض على ضباطٍ في الشرطة ومسؤولي جمارك ورجال أعمال، لكن لم يظهر أن القوّات المسلّحة التونسية مُتورّطة في توليد مداخيل مالية غير مشروعة. وترفع القوّات المسلّحة التونسية تقارير حول جميع الإيرادات المُتأتّية من أنشطتها الاقتصادية المحدودة إلى السُلطات المدنية، التي لديها سُبُل ناجعة وفاعلة في تصرُّفها للتعامل مع مخاطر الفساد في مجال المقتنيات الدفاعية.
لا تتدخل المؤسسة العسكرية في وضع السياسة الاقتصادية الوطنية. ولا يضغط ضباط القوّات المسلّحة التونسية على الحكومة للحصول على موارد مادية. وعلى الرغم من الزيادات إثر هجوم بن قردان، إلا أن ميزانية الدفاع بقيت في حدود مليار دولار سنويًا (عدا المساعدات الخارجية)، وهو مبلغ غير مبالغ فيه بالنظر إلى البيئة الأمنية المُضطربة لتونس، نظرًا إلى انتشار الإرهاب في الداخل والحرب الأهلية المستمرة في ليبيا المجاورة. وتُوفّر القوّات المسلّحة التونسيُة، أيضًا، فرص عمل بشكل منتظم لـ 35000 عسكري، وهو أمر هام خصوصًا للطبقات ذوي الدخل المنخفض التي تعيش في المناطق الداخلية والجنوبية من البلاد. إن التمثيل المُفرط لهذه المناطق بين ضباط الصف والمنتسبين يعني أن الراتب العسكري يحمي العديد من العائلات من العيش تحت خطّ الفقر.
تأثير المساعدة الأمنية الأمريكية
ركّزت المساعدة الأمنية الأمريكية منذ عام 2011، وخاصّة منذ عام 2015، على مكافحة الإرهاب والأمن الحُدودي والشؤون اللوجستية والتنسيق الجوي-الأرضي والاستخبارات. لقد أُنجزَ الكثيرُ من هذا الدعم من خلال برامج التدريب والتجهيز والتعليم العسكري الاحترافي والتدريبات المشتركة، حيث تدرك وزارة الدفاع الأمريكية أهمية تحسين العلاقات العسكرية المدنية التونسية ومراقبة المدنيين المنتخبين على عمليات وضع موازنة المؤسسة العسكرية وعلى الاقتناء والتخطيط. قدّمت هيئات متنوعة أمريكية هذا الدعم، لكن النتائج كانت مُتفاوتةً بسبب القيود الأمريكية على ما يُمكن تمويله وعوامل أخرى مثل البناء المُجتَزَأ في الجانب التونسي ومعاناته من عدم الثقة والسرية المفرطة.
حاولت جامعة الدفاع الوطني الأمريكية تعزيز علاقاتٍ عسكريةٍ مدنيةٍ أفضل من خلال استضافة بعثاتٍ سنويةٍ من معهد الدفاع الوطني التونسي، الذي يقدِّم مساق دراساتٍ عسكريةٍ عُليا، يهدف إلى كسر الحواجز المؤسساتية بين كبار الموظفين المدنيين والضباط. وساعدت الجامعة المعهد على صياغة مسودّة "كتاب أبيض" حول شؤون الدفاع، لكنّها لم تُؤد إلى مُراجعةٍ استراتيجيةٍ أشمل. وبالمِثل، سعت مُبادرة بناء القُدّرات المؤسساتية إلى رعاية جهد التخطيط الاستراتيجي التونسي، لكن انهارت المبادرة بسبب عدم تبنيّها من قِبل قيادات في وزارة الدفاع التونسية وبسبب تبدُّل العاملين المدنيين في الوزارة. وقد أدرك المشاركون في هذا الجهد أهمية دعم وتعزيز الشفافية والثقة بين المؤسسة العسكرية ومجلس نواب الشعب. لكن تحقيق ذلك صعبٌ، ولم يتمّ التعامل معه على أنّه أولويةً.
في أوائل عام 2020، تمّت المُوافقة على برنامج لإلحاق مستشارين أمريكيين بوزارة الدفاع التونسية، حيث من شأن التواصل اليومي وجهًا لوجه أن يبني ثقافة الانفتاح والثقة، كما ستساعد الولايات المتحدة على تشكيل العلاقات العسكرية المدنية التونسية. لكن تمّ تعليق هذا البرنامج، الذي كان من شأنه أن يعالج احتياجات التخطيط الاستراتيجي ونقص القُدّرات المؤسساتية الأخرى، بسبب القيود المفروضة بحكم انتشار جائحة فيروس كورونا.
يُعبّر ضباط القوّات المسلّحة التونسية عن إحباطهم لأن المدنيين لا يُدركون قدرات واحتياجات المؤسسة العسكرية. وباستثناء مجالي الميزانية والتمويل، يفتقرُ المحترفون المدنيون إلى المعرفة والفهم للمُساهمة بانتظام في صياغة السياسات الدفاعية والإشراف على قطاع الدفاع وإدارته ودعمه. إنما نقص خبرة المدنيين في شؤون الدفاع في تحسّن تدريجي، نتيجة لدورات الدفاع الوطني التي تُؤهّل الضباط العسكريين والمسؤولين المدنيين على حد سواء.
قبل الانتقال الديمقراطي لعام 2011، قَوَّضت ديناميّات التحصين ضد الانقلاب قُدرة القوّات المسلّحة التونسية على إنجاز مهمّتها الدفاعية الأساسية بكفاءةٍ. وكانت السلطات السياسية المُتَشكِّكة والأجهزة الاستخباراتية الموجودة في كل مكان تعمل على عدم التقاء الضباط في المجالات الاجتماعية، كما فاقت موارد الأمن الرئاسي ووزارة الداخلية بفارق كبير موارد المؤسسة العسكرية. كما وجّهت المرحلة الانتقالية لعام 2011 ضربةً قاسيةً لخُصوم المؤسسة العسكرية، وطوّرت الحكومات المُتعاقبة فيما بعد المرحلة الانتقالية من قدرات القوّات المسلّحة التونسية في مكافحة الإرهاب وأداء دورها الدفاعي الأساسي. لكن تواجه القوّات المسلّحة ثغرات مستمرة في الموارد وتنمية القدرات والتخطيط الاستراتيجي وصنع القرار في مجال الأمن القومي.
إن قطاع الدفاع التونسي مفتوح لمُقدمي المُساعدة العسكرية الخارجية الذين يدعمون الوظائف والقدرات المؤسساتية في مجالات كالمقتنيات والتخطيط الدفاعي طويل الأجل ومُكافحة التطرف. في عام 2015، صنّفت الولايات المتحدة تونس كحليفٍ رئيسٍ من خارج حلف شمال الأطلسي ممّا أتاح المزيد من الموارد لتطوير القُدرات العسكرية. وقّعت تونس عشر اتفاقيّات مع الولايات المتحدة لتزويد القوّات المسلّحة بمعدّات عسكرية مُتطوّرة، بما في ذلك مروحيّات "بلاك هوك" ومساعدات أخرى تزيد قيمتها عن 142 مليون دولار أمريكي. وفي عامي 2019 و 2020، اشترت تونس طائرات ومعدّات متصلة من الولايات المتحدة بقيمة تزيد عن 550 مليون دولار. كما أن التعاون العسكري مُستمرُّ مع المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وحليف تونس التقليدي، فرنسا.
بدأت القوّات المسلّحة التونسية في توسيع مجال الأدوار المُتاحة للمرأة وتعديل سياسات التدريب والموارد البشرية لاستيعاب الكادر النسائي. ولا تشغل النساء في تونس مناصب عسكرية عُليا، لكن تبنّت تونس في عام 2018 خُطّة عمل وطنية للمساواة الجندرية، وباتت أربعين امرأة تتولى قيادة الطائرات المقاتلة. كما عدّلت القوّات المسلّحة التونسية وكيّفت لوائحها وأنظِمتها وبرامجها التدريبية ومَرافِقها لإدماج النساء، وفي المقام الأول في معاهد التدريب العسكري وفي القوّات البحرية والجوية.
بدأت القوّات المسلّحة التونسية تُدرك، شيئًا فشيئًا، الحاجة إلى توظيف الخبرات المدنية وتنميتها. فتعتمد المؤسسة العسكرية على الخُبراء المدنيين لتدريب العسكريين على جمع البيانات ومُعالجتِها واستخدامها. كما تعتمد على أقسام تكنولوجيا المعلومات ومراكز المُحاكاة لدعم عمليات التخطيط واتّخاذ القرار. وبالرغم من ذلك، لا تزال تميل إلى الاستعانة بالخُبراء المدنيين بشكل أكبر في المجالات الفنية كالإدارة المالية وتكنولوجيا المعلومات، مُقارنةً بمجالاتِ التعليم العسكري والتخطيط الاستراتيجي والمقتنيات والاستخبارات. ليس لدى المؤسسة العسكرية برامج مُحدّدة أو تخطيط مُنسق لتطوير الخِبرات المدنية، ولا توظّف الخبراء المدنيين إلا عندما تنشأ الحاجة إلى ذلك.